نظام الملالي… مصلحة روسية ـ أميركية!

فايز سارة (الشرق الاوسط)

بعد أسبوع من انطلاق انتفاضة الإيرانيين ضد نظام الملالي، كان من الطبيعي أن ترتسم ملامح الموقف الإقليمي – الدولي من ثورة الإيرانيين. والآن بدا الموقف على المستوى الشعبي العام، مؤيداً للثورة في شعاراتها وأهدافها، في مواجهة نظام كرّس في مسيرة أربعين عاماً حكماً دينياً استبدادياً توسعياً، وأغلق على الإيرانيين أفق تطورهم الطبيعي، وانتهك حقوقهم أفراداً وجماعات، وحوّلهم إلى فقراء وعاطلين عن العمل ومغمورين بالأمراض الاجتماعية التي يصعب حصرها وتعدادها.
أما على المستوى الرسمي؛ فقد اتخذ الموقف شكلاً معقداً، ورغم عمومية الموقف الذي أيدّ مطالب الإيرانيين، وعارض رد فعل النظام وسلوكه القمعي في مواجهتهم، فإن الغلبة في خلفية الموقف إنما استندت إلى أمور أساسية؛ منها الخلاف السياسي مع نظام الملالي، لا سيما في نقطتين؛ أولاهما تمدده الدموي المسلح، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو ما كانت عليه غالبية الموقف العربي، وثانيهما انتهاكاته لحقوق الإنسان والحريات، وكلتاهما بين الرايات الأهم التي يرفعها العالم المعاصر، وإن كانت دوله وحكوماته تسجل خروقات فاضحة بصددهما؛ بما فيها كثير من الدول المعترضة على سلوكيات نظام الملالي.
وسط تلك اللوحة في الموقف من ثورة الإيرانيين، يمكن التوقف عند الموقفين الروسي والأميركي، اللذين رغم ما يبدو من تناقضهما الظاهر، فإن فيهما اتفاقاً ضمنياً يدعم نظام الملالي في مواجهة ثورة الإيرانيين لأسباب مختلفة ومتعددة.
ففي الظاهر العلني؛ عدّت روسيا أن ما يجري في إيران أحداث داخلية ناجمة عن ظروف ليست الأسوأ في بلدان المنطقة، ودعت نظام الملالي للتعامل بحذر مع الأحداث. ورغم أن ذلك يؤشر على دعم روسي للنظام في مواجهة الانتفاضة، فإنه لا يعكس حقيقة العلاقات الروسية – الإيرانية الاستراتيجية، التي تكرست عبر مجموعة من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية – الأمنية، التي جرى نسجها في العقود الأربعة الماضية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، والتي جعلت من الطرفين حليفين مباشرين في سوريا، وحليفين أيضاً على المستويين الإقليمي والدولي، رغم العلاقات الخاصة للنظام الإيراني مع جماعات وتنظيمات مصنفة دولياً بوصفها «جماعات إرهابية» مثل «حزب الله» اللبناني، ورغم وجود إيران في القائمة العالمية بوصفها دولة ترعى الإرهاب.
إن الجذر المشترك لعلاقة إيران وروسيا لا يشمل فقط طموحات التمدد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وإنما أيضاً مواجهة التيارات المتطرفة في القوقاز وفي إيران وجوارها، والنزعات الانفصالية لمكونات بلدين كبيرين محكومين بنظامين أمنيين عميقين وديكتاتوريين، يوفر لهما تحالفهما مصالح مباشرة اقتصادية وعسكرية – أمنية، تعزز تحالفهما وتقويه.
وبخلاف المشهد العام للعلاقات الإيرانية – الروسية، فإن العلاقات الإيرانية – الأميركية، لها مشهد مختلف، يتخذ طابع التوافق والتوافق الضمني، والاختلاف والصراع في ظاهره، ولعل الأبرز في تعبيراته الحالية التصريحات الأميركية التي تدعم ثورة الإيرانيين، وتدين ممارسات نظام الملالي، إضافة إلى خط موازٍ يتضمن الإعلان عن عقوبات جديدة على إيران.
إن جوهر الموقف الأميركي من نظام الملالي يؤكد أن ثمة دعماً وتأييداً عميقين لسياسات إيران في الشرق الأوسط. فقد كانت الولايات المتحدة الراعي الأكبر لاتفاق «5+1» حول المشروع النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه أواسط عام 2015؛ الأمر الذي ساهم في رفع العقوبات عن إيران رغم خروقات الأخيرة محتويات الاتفاق. وقبل ذلك بسنوات طويلة، كانت واشنطن سلمت العراق للسيطرة الإيرانية، وسكتت عن سياسة تابعيها في قيادة السلطة العراقية، وصمتت، بما يشبه التأييد، عن التمدد الإيراني في المنطقة؛ بما فيه التمدد الدموي في سوريا والعراق واليمن سواء عبر قواتها وأجهزتها الأمنية، أو بواسطة ميليشيات شيعية ترعاها وتديرها إيران، كما في الحالة السورية، التي تصمت فيها واشنطن عن تحالف إيران ونظام الأسد وجرائمهم.
والخلاصة في موقف الروس والأميركيين من نظام الملالي وثورة الإيرانيين، أن موسكو تقف من منطق التحالف والمصالح المشتركة إلى جانب نظام الملالي، وضد ثورة الإيرانيين، ولن يتأخر الروس في تطوير موقفهم العملي على نحو ما فعلوا في سوريا، إذا تطلب الأمر تدخلهم في وقت لاحق، خصوصاً أن تدخلهم العسكري في سوريا أواخر عام 2015 لم يكن فقط لإنقاذ نظام الأسد؛ إنما كان في جانب منه لدعم الوجود الإيراني في سوريا.
ورغم أن الموقف الأميركي يبدو في موقع آخر من الموقف الروسي من حيث الظاهر، فإنه في الواقع يدعم بقاء النظام ولو بتعديلات معينة؛ كما صرحت مصادر أميركية مؤخراً، ويستند هذا الدعم إلى خلفيات أخرى أساسها طبيعة نظام الملالي من جهة؛ وإلى وظيفته في المنطقة من جهة أخرى.
وبالنتيجة، فإن ثمة توافقاً روسياً – أميركياً في الموقف من نظام الملالي، بما يمثله من مصلحة لكل منهما، وإن اختلفت التفاصيل.