كنائس الرقة مهجورة … ولّى زمن الأعياد

تتواصل الاستعدادات لتستقبل كنيستا مدينة الرقة التاريخيتان عيدَ الميلاد، بعدما فقدتا أجراسهما وأصبحتا عبارة عن أبنية مدمرة نتيجة المعارك، وستكونان بحلول العيد خاليتين من الألغام التي زرعها الإرهابيون على رغم عدم عودة المسيحيين إلى الاحتفال.

ومع انتهاء سيطرة «داعش» التي استمرت ثلاث سنوات على الرقة، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، زرع الإرهابيون ألغاماً في أنحاء المدينة وأبنيتها، بما فيها كنيستا الشهداء وسيدة البشارة.

ويعمل فريق من ستة أشخاص من منظمة «روج» التي تعنى بإزالة الألغام، على إزالتها من الكنيستين لكي تكون جاهزة قبل عيد الميلاد، لكن مسؤولي الكنيستين يقولون لوكالة «فرانس برس» إنه بسبب الدمار الجزئي لن تنظم صلوات في هذا العيد.

وأقدم عناصر تنظيم «داعش» في أيلول (سبتمبر) 2013، على إنزال الصلبان عن الكنيستين وأحرقوا محتوياتهما وألحقوا بهما أضراراً كبيرة، كما حولوا كنيسة البشارة إلى مقر لـ»الدعوة الإسلامية» وكنيسة الشهداء إلى سجن.

وتقع كنيسة الشهداء للأرمن الكاثوليك وسط مدينة الرقة قرب حديقة الرشيد، وهي أصبحت عبارة عن جدران مدمرة بعدما فقدت ملامحها الدينية. وحفر تنظيم «داعش» في قبو الكنيسة نفقاً طويلاً يقود إلى حديقة الرشيد.

ويبحث عناصر من فريق «روج» الذي يرتدي عناصره زياً بني اللون وعلى ذراعهم شارة حمراء داخلها جمجمة بيضاء، عن الألغام في الكنيسة عبر أجهزة كشف تقليدية مثل عصا طويلة بلاستيك مزودة بلاقط حاد يتمكن من التقاط الخيوط.

ويقول المستشار التقني للمنظمة عبد الحميد آيو (33 سنة) الذي يعمل في مجال نزع الألغام منذ ثلاث سنوات: «نحن حالياً موجودون ضمن مدينة الرقة وعمليات الكشف وإزالة الألغام مستمرة من قبل فريق عملنا في المنظمة». وأضاف: «هدفنا عودة الإخوة المسيحيين إلى ممارسة طقوسهم مع اقتراب الأعياد».

ويتابع أن «الألغام في المدينة بالآلاف، وتمكنا إلى الآن من الكشف عن نصفها وأزلنا 1300 لغم حتى اللحظة والمدينة ملغمة بشكل كامل».

وقبل اندلاع النزاع في العام 2011، كان المسيحيون، من سريان وأرمن، يشكلون واحداً في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 300 ألف، لكن معظمهم فرّ لدى سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة.

يقول الكاهن بطرس مراياتي من أبرشية الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في حلب التي تشرف على كنيسة الشهداء في الرقة: «لا شيء نهائياً في الرقة. الكنيسة مخربة»، مضيفاً: «يذهبون للزيارة لكن لا أحد يقيم هناك».

وعادت عائلات إلى منازلها على رغم عبارات التحذير المنتشرة على الجدران وفي الشوارع. ويسجل بشكل شبه يومي سقوط ضحايا جراء انفجار ألغام.

وفي أحياء عدة، يتفقد مدنيون من سكان الرقة منازلهم ويزيلون الركام من أمام متاجرهم، ويعود آخرون على متن سيارات وآليات محملة بحاجياتهم، فيما يخشى كثيرون دخول منازلهم خوفاً من انفجار ألغام.

وتتركز غالبية العائدين بشكل خاص في المشلب والدرعية والرميلة وأحياء عدة مجاورة.

وخلف كنيسة الشهداء، يتفقد نايف المدفع (65 سنة) منزله، ويقول لـ «فرانس برس»: «دمروا الكنيسة وفقدنا البهجة في كل شيء. لم يكن هنا في الرقة فرق بين مسلم ومسيحي. كنا نعيش جميعاً سوية وسعداء». ويوضح وهو يشير بيده إلى منازل جيرانه المسيحيين: «كل المسيحيين هجروا الرقة».

وأمام الكنيسة، يستعيد نايف ذكريات ما قبل اندلاع النزاع قائلاً: «في هذه الزاوية كانت توضع شجرة الميلاد ويدخل الأطفال الكنيسة مع أهاليهم. كانت الفرحة في كل مكان وتشردنا كلنا، تشرد الناس كلهم». ويتذكر كيف كان أحفاده يقصدون الكنيسة ويحصلون بدورهم على هدايا الميلاد، مضيفاً: «أشعر بالحزن حين لا أرى شيئاً هنا سوى الخراب والدمار».

ولدى سيطرة «داعش» عام 2014، فرّ المسيحيون وأفراد الأقليات الأخرى، إذ خُيّروا بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل، تحت طائلة القتل.

بعد إنهاء عمله في كنيسة الشهداء، انتقل فريق نزع الألغام إلى كنيسة سيدة البشارة الكاثوليكية في حي الثكنة.

لم يبقّ من الكنيسة إلا جدران مدمرة وبقيت إلى جانبها الأيسر مظلة رخامية، يوضع فيها عادة تمثال للسيدة مريم ولكنه لم يعد موجوداً. ويتوقف محمود الجمعة (23 سنة) مع صديقه على دراجته النارية قرب الكنيسة ويقول لـ «فرانس برس»: «جعل داعش هذه الكنيسة مستودعاً للأسلحة أثناء المعارك وحرق كل الكتب والأناجيل التي كانت في داخلها». وأضاف: «حين اشتدت المعارك فجروها». وعلى جدران قبو مدمر في الكنيسة، لا تزال معلَّقة صور عازفين على الآلات الموسيقية ورسومات دينية طليت بالأسود.

ويوضح الجمعة أنه قبل سيطرة التنظيم على المدينة، «كان القبو عبارة عن روضة للأطفال يعزفون فيها على الآلات الموسيقية». ويضيف: «كنا جيران الكنيسة وكنا نعايد الإخوة المسيحيين وهم يعايدوننا في أعيادنا، لكن الآن لم يبقَ مسيحيون، سافروا جميعاً وذهبت معهم الاحتفالات وأعياد الميلاد الجميلة».

(الحياة)