مقاربة بين النهج والعهد
منير بركات
22 ديسمبر 2017
هل يتمكن العهد التشابه مع التجربة الشهابية بجوانبها الايجابية أم ستغزوه العناصر التي ضربت هده التجربة قبل تثبيت مقوماتها؟
لقد قدمت الشهابية نفسها أول تجربة من نوعها وحاولت التأسيس لبناء دولة حديثة، بدأت في محاولة معرفة واقع البلاد من خلال مسح اقتصادي- اجتماعي هو الأول من نوعه وهو لم يتكرر بعد ذلك. وكان هادفاً لتأسيس دولة حديثة قائمة على إنشاء مؤسسات من نوع مختلف عما كان سائداً.
أما الخطوة النوعية التي قام بها الرئيس فؤاد شهاب التناغم بين الانتماء الوطني والعربي إنطلاقاً من استقلال لبنان والحفاظ على هويته كان من خلال إقامة علاقة مع سوريا ومصر، التي تكرست باللقاء مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي أكد بدوره احترام استقلال لبنان وخصوصيته.
اذن جاء التعبير عن عمق لبنان العربي وتثبيت عروبته دون التناقض مع هويته الوطنية. ولكن هذه الاسس والتوجهات التي حكمت النهج الشهابي ضربت من داخلها ومن خارجها، في آن. من داخلها حينما سيطر المكتب الثاني على الحياة السياسية، ومارس سياسة القمع، مما أنتج تناقضات بين الاتجاهات التي قامت عليها انطلاقة العهد.
اما تكتل المتضررين من البرجوازية اللبنانية الرافضة لكل التوجه الشهابي القائم على الخطوات الآنفة الذكر ومحاولات الأصلاح الجدية التي هددت مصالح وخيارات فئات تمثل عمق النظام السابق في صيغة “الحلف الثلاثي”.
وأهم مكامن الخلل في عدم نجاح هذه التجرية وضربها قبل تثبيت اقدامها بأنها لم تجد من يحميها ومن يدافع عنها وعن انجازاتها. ولم يتمكن من إعادة احيائها كل من تبناها، حتى من مواقعهم على رأس الحكم كالرئيس الأسبق شارل حلو.
إذا اردنا المقاربة بين نهج الحكم الحالي والشهابية في ظروف مختلفة بغياب عبد الناصر وحضور الثورة الايرانية في الحياة السياسية اللبنانية لا سيما الرسمية منها، والتفكك العربي والنزوح الفلسطيني بعد احداث الاردن في اخر الستينات واوائل السبعينات، ونزوح السوريين إبان الحرب الأهلية السورية، كل ذلك ترك ارتدادات على الوضع الداخلي اللبناني، وأي طرح للتوطين ليس لحل مشكلة انسانية بل لخلق مشكلة لبنانية.
لا شك بأن نقاط القوة للحكم الحالي تتفوق على المستوى الشعبي عما كان عليه حكم الرئيس شهاب، وعناصر القوة الداخلية والاقليمية المباشرة تميزه بشكل مؤقت ولا يخلو من مخاطر التبدل في الواقع وخسارة الرهان.
ان بعض الخطوات الذي يتخذها العهد ايجابية منها الأحصاء للوجود الفلسطيني في لبنان الذي يؤسس لمعالجة علمية لهذا الملف، أو بالتروي في معالجة استقالة الرئيس الحريري أم في الحفاظ على الاستقرار بتغطية من القوى الاساسية الداخلية.
إلا ان المخاوف السائدة من ازدواجية السلطة والخطر على الحريات لا سيما الإعلامية منها وقضية مارسيل غانم تذكرنا بنقاط التشابه السلبية إبان الحكم الشهابي.
الصرخة المدوية التي ستبقى صادحة ولا مساومة عليها..الحريات.. ثم الحريات ودائما الحريات بديلاً عن تحلل الوطن.
*رئيس الحركة اليسارية اللبنانية