إيران وأميركا والعلاقة المُلتبسة!

أسعد حيدر (المستقبل)

أخذ العلاقات الأميركية – الإيرانية بظواهرها يُؤشر يومياً إلى صدام حربي واسع. ما يحدث أن كل ما يحصل وفي كل ما يصرح، يبقى دائماً مضبوطاً بخطوط حمراء لا يكسرها الإيرانيون والأميركيون على السواء. لذلك الحرب بينهما مستحيلة، والعلاقات الطبيعية بينهما بعيدة جداً وخاضعة لتحولات استراتيجية وعميقة. واشنطن تعرف أن الشعب الإيراني يضمر لها التقدير ويرغب بعلاقات طبيعية، وهي تتحرك على قاعدة أن «الغيمة الإيرانية» ستعود وتُمطر عندها، ولذلك لا داعي لإحداث أي جرح في «الذاكرة الشعبية» الإيرانية. وهنا يجب عدم تناسي أو إغفال أن الرئيس كارتر كان قادراً على دفع فرقة «الخالدون» لضرب الثورة وخصوصاً الشباب الذين حملوا السلاح في الشوارع، لكنه رفض ذلك تقديراً منه أن مثل هذه المواجهة ستُدمر كل الجسور مع الشعب الإيراني وتحرم أميركا من الموقع الاستراتيجي لإيران في منطقة الشرق الأوسط، وتخلّ بالتوازنات الجيواستراتيجيّة فيها التي ستكون كلفتها غالية جداً من دون أي عائدات أو مكاسب.

علي أكبر ولايتي هو أكبر مستشاري المرشد آية الله علي خامنئي وأكثرهم خبرة بالسياسة الدولية، قال مؤكداً الازدواجية في الخطاب الإيراني: «على أميركا أن تعلم بأنها ستُهزم، وفي القريب العاجل سيتم إخراجها من الرقة كما خرجت من البوكمال». هذا التأكيد يطيح به ما كشفه في التصريح نفسه: «أصبح للأميركيين ١٢ قاعدة في سوريا، وهي تنوي زيادة قواتها إلى عشرة آلاف جندي». طبعاً تتكل قيادة المرشد على الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» لضرب الوجود الأميركي، علماً أن السوريين حتى «الأسديين» أصبحوا يطلقون عليه لقب «قائد فيلق الشام والفرات». والسؤال ماذا سيفعل سليماني ضد الأميركيين الذين يعملون وبموافقة روسية على تحويل الرقة إلى «إقليم حكم ذاتي جديد للمعارضة خارج نفوذ إيران والأسد»؟. كل هذا في وقت يجمع فيه الرئيس دونالد ترامب بين خصميه إيران وكوريا الشمالية والعجز الحربي على مواجهتهما والاكتفاء بالمواجهة السياسية.

لا يُعلن النظام الخامنئي قلقه من أن يخسر سوريا التي هي ورقته الاستراتيجية ورصيده الضخم في توجهين له:

* الدفاع الوقائي حيث تلعب سوريا الدور المحوري في تأكيد وتثبيت موقع إيران حاضراً ومستقبلاً في صياغة السياسة الشرق اوسطية مهما بلغ «الطموح القيصري» الروسي، والعداء الأميركي، والخصومة الإسرائيلية التي توفر لها تخصيب ونشر خطابها الأيديولوجي الذي يؤمنه الوجود على محاذاة اسرائيل في الجولان وجنوب لبنان.

* الطموحات الاقتصادية الاستراتيجية، ومنها التي صاغها الجنرال صفوي المستشار العسكري للمرشد: «يجب ربط خطوط الطاقة وسكك الحديد بين جنوب إيران والبحر المتوسط عبر العراق وسوريا».

«الحرس الثوري» هو القبضة الحديدية للمشروع الخامنئي الذي رفضه وزير خارجية فرنسا بقوله: «لا للوجود الإيراني، ولا للرغبة الإيرانية في إقامة محور من البحر المتوسط إلى طهران». قادة الحرس يتحركون وهم يأخذون في حساباتهم أن «الغدر الروسي» بهم قائم خصوصاً أن موسكو لا تريد أي خلاف عميق مع واشنطن، ولا أي مواجهة أو حتى خلاف جدي مع إسرائيل. إلى جانب ذلك، وهو الأخطر لأنه داخلي، أن الرئيس حسن روحاني تهمه «الدولة الإيرانية»، ولذلك لا يتوانى وبوجود المرشد «عن وضع العصي في دواليبهم» فكيف إذا غاب؟. لذلك يعتمد «الحرس» على «التغلغل في قلب القرار السوري، بمعنى العمل على الإمساك بالمفاصل الأساسية في الجيش أو ما تبقّى منه والأجهزة الأمنية». ومن جهة أخرى العمل على إقامة «أحزمة أمنية من المتشيعين وعائلات الميليشيات حول المدن المهمة مثل دمشق العاصمة وحلب وباتجاه درعا وبعض أطراف بادية الشام الجنوبية». وفي الوقت نفسه التهديد الضمني بإشعال حرب واسعة ضد إسرائيل ستبقى هي بمنأى عنها جغرافياً.

المؤتمرات سواء في جنيف أو آستانة أو سوتشي انتهت إلى الفشل. لا يبدو أن العام ٢٠١٨ يُبشّر بالخير لأن كل طرف من المشاركين بالحروب السورية يريد الحصة الأكبر، في حين أن حصول ذلك مستحيل لأن «الكاتو السوري» محدود وشراهة الطامحين مفتوحة.. إلى البعيد من الشرق الأوسط.