الهمجية الصهيونية والتدمير الممنهج لبيئة فلسطين

محمود الاحمدية

في ظل الهجمة الأميركية الوقحة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس… كثير من الحبر سيكتب ولا ازدواجية في التعدي… أحببت الإضاءة على همجية العدو الإسرائيلي في تدمير البيئة الفلسطينية…

في الأمم المتحدة وعند حلول يوم البيئة العالمي تعمل الأمثلة الملهمة التي تختصر فكرة بيئية واضحة وتترك وحيّاً وإلهاماً للناس ومن هذه الأمثلة: “مدن خضراء فلنخطط لمستقبل الأرض”… “الصحارى والتصحّر لا تهجّر الأراضي القاحلة”… “المشاركة المجتمعية في التحريج”… منهج تشاركي يحمل أبعاداً تعاونيّة لحماية الأرض، وعن التوازن البيئي وفي أدب الحياة بدأ المعلم الخالد كمال جنبلاط الجزء الخاص بالبيئة بالمثل الرائع الإنكليزي تومسون “إنّك لا تستطيع أن تحرّك زهرة دون أن تهتز إحدى النجوم”.

يتوضّح حجم التدمير الصهيوني الممنهج على البيئة الفلسطينية بالحقائق والأرقام.

بتاريخ 21/9/2008 صدر كتاب بيئي للكاتب الفلسطيني المتخصّص مصطفى قاعود تحت عنوان: “إغتيال البيئة الفلسطينية” ومن خلال الوقائع والأرقام والتعدّيات اليومية الصهيونية على البيئة الفلسطينية التي وردت في هذا الكتاب، كانت الأصداء على الصعيد الفلسطيني والعربي والضجة التي أثارها شبّهت بكتاب “الربيع الصامت” لراشيل كارسون الأميركية خلال ستينات القرن الماضي…

ومن خلال قراءة هذا الكتاب نختصر التفاصيل ونركّز على العناوين والأرقام والإحصائيّات التي جاءت في الكتاب والتي تفضح صلف وهمجية اليهود لتدمر الفكرة القائلة بأنّ إسرائيل “فلسطين المحتلة” هي الضفة الأخرى بالجسر الحضاري الأوروبي للشرق الأوسط.

1- اغتيال شجر الزيتون والبرتقال:

يقول المؤلف إن بين الزيتون والفلسطيني علاقة روحية وسرمدية، كلاهما برأيه شكلاً على مرّ التاريخ ثنائية، تشير إلى عمق الإنتماء إلى هذا الوطن والتاريخ… ويعتقد أن حرب إسرائيل على شجرة الزيتون هي حرب على الهوية الفلسطينية، ولقد اقتلع الإحتلال مئات الآلاف من أشجار الزيتون… بالإنتفاضة الأولى اقتلعوا حوالي نصف مليون شجرة منها 80% منها شجر زيتون… وبعد إتفاق أوسلو تمّ جرف 22000 دونم كلّها زيتون… ويشدّد المؤلف على أنه في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرباً على شجر الزيتون الفلسطيني، تعمل من ناحية ثانية على زراعة أشجار الزيتون للمستوطنات والأراضي المحيطة بها والتي جرت مصادرتها بأوامر عسكرية وجاء على لسان وزير الزراعة الإسرائيلي أن وزارته أقرت بزراعة 72.000 ألف شجرة زيتون في أراضي “يهودا والسامرة” على حدّ تعبيره!!!

kods

ويرى المؤلف أن نفس التعدّيات الهمجية تنسحب على شجرة البرتقال، عام 1967 كانت مساحة الأراضي المزروعة بالبرتقال في غزة حوالي 90000 دونم وبعد فك الارتباط عن غزة بقي فيها فقط 43000 دونم مما يعطي فكرة واضحة للتعدّي على كل مساحة فلسطين. وكانت الخطّة المنهجية للعدو الإسرائيلي تقضي بضرب أسعار كل الحمضيّات التي تصدر عبر ميناء حيفا، وإغلاق جميع المنافذ البرية إلى مصر والأردن مما يصل بالمزارع الفلسطيني إلى حدود اليأس وإلى أسعار تحت سعر الكلفة ويدفعه إلى ترك زراعة الحمضيات والتفتيش عن زراعات أخرى بتسهيلات إسرائيلية، وهذه الزراعات البديلة معروفة بتلويثها الشديد للبيئة وابتعاد اليد الإسرائيلية عن زراعتها وكأن الهدف كان تدمير البيئة الفلسطينية وكأنّ آلة القتل الإسرائيلية لا تقتصر على البشر بل تطال الشجرة والبيئة والحجر.

2- سرقة الرمال والتربة الطينية:

الرمال من أهم نوعيات التربة التي تثبت الأراضي أمام تساقط الأمطار مما يمنع جرفها، وهي تستعمل كمواد للبناء وسرقة إسرائيل لهذه الرمال حلقة من حلقات تدمير البيئة الفلسطينية… والرمال في غزة بالذات تحتوي على نسبة كبيرة من الكوارتز الذي يدخل في صناعة الزجاج وهي ثروة اقتصادية. ويشدد المؤلف على أن قوات الاحتلال وعبر شاحنات ضخمة كانت تقوم بسرقة منظمة للرمال وبمنهجية مدمرة وتحت حماية الجيش الإسرائيلي في محيط المستوطنات بشكل عام وفي محيط مستوطنة “نتساريم” بشكل خاص. وقد أكدت هيئة الاستعلام الفلسطيني بأنه تمّ سرقة 25000 ألف متر مكعب من الرمال بين عاميّ 2002 و2003. وقامت أيضاً “بسرقة التربة الطينية الصالحة للزراعة ذات الخصائص الممتازة من قطاع غزة حيث تمّت سرقة مايتي ألف متر مكعب تربة طينية من أراضي دير البلح تاركة حفريات عمقها حوالي ستة أمتار مما ألحق دماراً “خطيراً” للبيئة في فلسطين.

أكتفي بهذا القدر وأترك للمقالة الثانية الحديث عن بنود التدمير الأخرى التي يقوم بها العدو للبيئة الفلسطينية عبر العناوين التالية: النفايات، المياه العامة، الصرف الصحي، التلوث الإشعاعي، سرقة المياه.

ومن خلال قراءة هذا الكتاب الخطير يتضح الهدفان الاستراتيجيان للعدو الإسرائيلي:

الهدف الأول: التسلط الإسرائيلي والتطهير العرقي لا يقتصر على القتل المباشر بالرصاص فقط للبشر والكادرات المثقفة والكادرات العسكرية المنظمة، لكنه يوسع دائرة الموت حتى يطال الشجر والحجر والمياه أي قتل البيئة الفلسطينية حتى يكتمل المشهد الدراماتيكي الفلسطيني.

الهدف الثاني: وهو الهدف الاستراتيجي الأساسي إعطاء فكرة عامة بعدم إمكانية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية فاقدة للطبيعة وللبيئة “أي دولة غير قابلة للحياة”…

كتاب رائع ومعلومات إحصائية علمية وتسليط ضوء حضاري نموذجي يحمل توقيع المؤلف المبدع “مصطفى قاعود”…

(الجزء الأول)

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة