وهم كوتارد

ثائر التيماني

أنباء الشباب

تلفّظ أحدهم باسمي وعندما التفتّ إلى مصدر الصّوت، أدركت لحظتها أنني متُّ منذ زمن بعيد..

لم أعرف حقيقة ما جرى. ما أعلمه الآن فقط هو أنّني ميت. إخجل أن أقول ذلك أمامكم، لهذا فضّلتُ أن أكتب هذا النّص.

كنتُ في غرفتي الواقعة في منطقة المصيطبة، حين أدركت حقيقة مماتي لأوّل مرّة.. يومها سمعت صوتاً يناديني.

لم يكن هناك أحد.. في الواقع لم يقم أحدٌ بزيارة غرفتي منذ أن استأجرتها من صاحبتها أم بلال منذ ستّة أشهر.

خلال هذه الشهور السّت تمنّيت أن أجد فتاةً تتقاسم معي غرفتي الصّغيرة.. وطبعاً حدث ذلك مرّاتٍ ومرّات، مع فتياتٍ عديداتٍ جميلات، لكن في مخيّلتي حتماً وحصراً.

فرحتُ لعثوري على مظلّة كان قد تركها أحدهم خارج محلٍ لبيع الحلويات. سرقتها. بعد مدّة، وأنا في غرفتي، أدركتُ أنّني ميت.

أعضائي الدّاخلية متعفّنة. ذهبتُ إلى محلٍ لدفن الموتى، فلم يتكفّل أحدهم بدفني، رغم أنّي ميتٌ منذ زمن. طلبت تابوتاً وإكليلًا من الزّهر الأبيض، فلم يكن الازرق متوفرًا.

لماذا أحمل مظلة تذكّرني بفعلتي ؟ مع أنّني ميت ولا يجب أن أخاف على جسدي من البلل ؟ ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لي ؟ أن أموت من شدّة البلل ؟ هذا لا يحصل مع الأحياء غالبًا، ولم يحصل مع الاموات قطّ.. فلمَ القلق ؟

وجدتُ فتىً أمّنته على مظلتي، قلتُ له لا تدع صاحبها يراك، ولا تقترب من محلّ بيع الحلويات حتّى لا يراك. فقد دخله منذ حوالي ثلاثة أسابيع وقد يخرج في أي حين من هناك. تتحوّل نظارات الولد من الاعجاب إلى الغضب بسرعة الضّوء لا الصّوت.

حددت موعدًا لدفن جسدي، لكن بقي المكان. حسنًا، كيف أفعل ذلك ؟ في اليوم التالي وصل التّابوت وإكليل الورد. في الواقع تعجّب منّي صاحب محل لوازم الموتى عندما طلبت تابوتًا أتسلّمه بعد أسبوع. ادّعيت كاذبًا أنّ لديّ الكثير لأنجزه قبل الدّفن، ولكنّه أصرّ على أنّ الميت سيتعفّن جسده، اللهم الا إن كان محنطًا. فلينحط هذا الرّجل نفسه وليذهب بها إلى سابع جحيم !

استلمتُ التّابوت وطلبتُ إيصاله إلى غرفتي. لم يكن ذلك بالأمر السّهل، لا سيّما مع أسئلة الجيران وجنون ربة البيت الّتي اقتطعت من بيتها غرفة لي مع بابٍ خاص. وليتها لم تفعل..

سدّ التّابوت الطّريق على أيّ حركة في الغرفة. أشمّ رائحة أعضائي المتعفّنة داخل جسدي، أفكّر باقتلاعها.. فرائحتها كريهة جداً. كيف أجد مكانًا مناسبًا أدفن جسدي فيه ؟ قد أحفر في الأرض وأضع التّابوت ثمّ أتمدّد فيه، لكن من يهيل عليّ التّراب؟
ها أنا ميت.. ولو أرادوا دفني لفعلوا.

يأتيني الصّوت من جديد، لا ليخبرني أنّي قد متّ، بلغة الكلمات على الأقل، لكن يأتيني بنحو غامض من عالمٍ آخر.. وهذا دليلٌ آخر على موتي الأكيد.

الرّائحة الكريهة لا تنفكّ تزداد، وأعضائي متعفّنة بالكامل، وقلبي متوقفٌ عن النّبض..

أتذكّر رواية جورج أمادو “ميتتان لرجل واحد” وأقول ما قاله “كينكاس” قبلي -بحسب رواية “كيتارا” آخر من كان إلى جانبه-: “على كلّ رجل أن يعتني بدفن نفسه، فلا وجود لمستحيل”.

قال ذلك قبل أن يلقي بجسده الميت في مياه البحر.

أتمدّد في تابوتي.. كينكاس لم يقبل أن يُدفن في تابوت، بل فضّل الغطس في البحر ليسافر في رحلة نهائية دونما عودة، وإلى الابد.
قال:
سأُدفن كما أشتهي
في الساعة الّتي أشتهي
يمكنكم الاحتفاظ بتابوتكم إذًا
لميتةٍ جديدة، وميت جديد..
أمّا أنا فلن أترك أحدًا يحبسني
في قبرٍ أرضيٍّ رذيل.

استيقظت على وقع طرقٍ عنيف. ربّة البيت تطالب بالإيجار.. وتسأل: “ماذا تفعل بهذا التّابوت في الدّاخل”؟

*النّصّ مستوحى من متلازمة وهم كوتارد

اقرأ أيضاً بقلم ثائر التيماني

هباء

إلى أدونيس

ماذا عن؟