منذ مئة عام ولد النور/ بقلم غسان زيدان

في مثل هذا اليوم منذ مئة عام ولد النور، وأطل على العالم، فأعجب به الغرب وتقبله. طبعا، كان الغرب في تلك اللحظة(ولا يزال) في ذروة ثورته العلمية والفكرية. أما الشرق(العربي) والذي كان قد اعتاد العيش في الظلمة فلم تحتمل عيناه رؤية النور فانكفأ عنه، وعرض على النور الإنخراط به، ولكن الطبيعتين مختلفتين(النور والظلمة)، وفي حال انخراطه بها لا تعود ظلمة بل ستتأثر به، كما أن النور في طبيعته لا يصدر عنه إلا نور.

ولكن النور الذي ولد في ذلك الزمان، ملأ المكان الذي ولد فيه من أقصاه إلى أقصاه، وراح يشرق في كل زاوية من زواياه، مرسلا أشعته، فتلقفتها العقول واطمأنت إليها ورأت فيها خلاصا طال انتظاره. فانفعلت فيه وتفاعلت معه وصارا شيئاً واحداً، وبدأت المسيرة. فالجسم مريض والجرح نازف، وما من طبيب يشفي الجراح ويلهم العقول الحائرة ويلهب أفئدتها إلا النور، وحده المخلص.

ولأن النور ومن حيث طبيعته النورانية لا ينتج عنه إلا شيئ شبيه به، فاض عنه نور آخر، وكان فيضه من ذاته، فكان الحزب: فكرا ونظاما ودستورا وميثاقا، ورسالة تقدمية لا تنزوي عن المعرفة الدائمة ولا تتقلص ولا تضيق بها، رسالة تهدف إلى بناء إنسان جديد ومجتمع جديد، مجتمع تقدمي إشتراكي منفتح ينشد التغيير الشامل، ويمثل نواة مجتمع جديد، وحضارة جديدة ومفاهيم جديدة، مجتمع خياره وقدره ومصيره العلم والتقدم والتطور، وبعيد كل البعد عن مظاهر الجمود والإنغلاق.

إنجذبت الى النور أنوار كثيرة، تشبهه في مضمونها، وراحت تسير به إلى حيث يسير بها وطرحت مشروعها الخلاصي للوطن، لتحقيق التغيير على أساس الديمقراطية الصحيحة والعدالة والمساواة، وطن لا ميزة فيه لامرئ على آخر إلا ميزة المعرفة والنشاط.

ولكن الشرق، الممتد بدوره إلى أرض النور والتي له فيها ما يشبهه أيضا، قد استشعر خطر انتشار النور في المكان، وعلم أن شعاع النور لا بد أن يمتد إليه، ولا بد للظلمة أن تتقلص.

فخاف الشرق على نفسه من النور، ويا للغرابة! فالشرق نور ولولا الشرق لما كان نور. فما كان من ساسة الشرق إلا أن اتخذوا قرارا بإزاحة النور الذي لم ولا تتحمله أبصارهم التي اعتادت الظلمة، كما أنه لا يتلاءم ومصالحهم، وذلك إن انتشاره يشكل خطرا على وجودهم، فقرروا قتله، فما من رادع فقد اتخذ القرار.

فاغتالوه، وظنوا أنهم قتلوه وقتلوا الحقيقة، ولكن ولأنه من حيث طبيعته هو نور، فهو لا يموت خاصة وأنه قد فاض عنه نور آخر، فإذا به يشرق في كل يوم وفي كل مكان، وينبعث مع كل إطلالة فجر، ليتجسد من جديد، في خلق جديد، وصولا إلى ولادة شرق جديد، وحتى تخرج الشعوب من الظلمة إلى النور.

معلمي، في يوم ذكراك، رحماك إن كنا أغفلناك.

*أمين سر وكالة داخلية المتن