ميلادك يحيا فينا لننتصر

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

نزفت الأقلام، ثارت ثائرة المنابر، فرتجفت الأرض تحت أقدام الرفقاء الذين أخذوا من كمال بك جنبلاط معلماً لهم، مرشداً لسلوكياتهم، وقدوة لهم في التفاني لصون إنسانية الإنسان، والإرتقاء بالعمل الحزبي. ففي السادس من كانون الأول منذ عام 1977 والسادس عشر من آذار لنفس العام المذكور، تزدحم منابر التواصل الإجتماعي على إختلاف أُطُرها، ببيانات ومنشورات من العقل لا من القلب، تتحسر على رحيل من دفع دمائه ثمن عروبته، من أفنى حياته دفاعا عن لبنان الذي أحبّ، ومن أسس حزب الفلاحين والنخبة ومن ثم الحركة الوطنيّة بالفعل لا بالقول. ولكن يبقى السؤال الأسمى: هل فعلاً إغتيل كمال جنبلاط وطويت صفحته؟

لم يكن لوقع إغتيال كمال جنبلاط كإغتيال غيره من الساسة اللبنانيين في خضم الحرب الأهلية، هذا ما أعي، وهذا ما قاله أستاذي الجامعي غير اللبناني الذي تنبع إستنتاجاته السياسية من تقييم موضوعي لا طائفي أو حزبي فهو ما دخل يوما السياسة اللبنانية وزواريبها الضيقة. فمن نحتفل بعيده المئة اليوم، ليس بسياسي لبناني عابر سبيل، فهو أصلا لا يُحدّ بلبنان الذي أحبّ، ولا يندرج تحت خانة السياسة ورجالاتها التي تتراوح حكمتهم، أجنداتهم، وتطبيقاتهم. أما كمال جنبلاط يستحق لقب المعلم لا “البك” ولا الأستاذ. فكمال جنبلاط لم ينضو يوما إلا تحت راية المجتمع، ونصرةً لطبقته الكادحة. تنازل عن البرجوازية التي إستثمرها لبسط سلطة الإنسان ونشر تعاليم العدالة الإجتماعية والحرية والإشتراكية في مجتمع تناهشته الفوارق الإجتماعية فكان من ضحايا الرأسمالية القاتلة.

نعم، كمال جنبلاط أسس حزباً إشتراكي، لكنّه لم يكن يوماً ماركسيًّا أو لينينيًّا، فهو عشق الإستثمار. عشق أسمى أنواع الإستثمارات ألا وهي إستثمار الإنسان بنفسه وبقدراته. كمال جنبلاط حثّ العالم على التقدم بعناصر الإنتاج مشجعاً الإبداع البشري وجامعاً إياه بالمجتمع الذي ما فصله عن الفرد، فوفّر معلمي جدلية تقدمية تجمع بين إرتقاء الشعوب إلى مثيلات من البطولة وبين طمس أنانية الإنسان فأتت عبارته الشهيرة: “ما من شعب إنحطّ إلا عندما درج على مسلك الأنانيّة”.

كُره المعلم لأنانيّة الإنسان، ككرهه للخضوع وكبت الحريات. فناضل صوناً لحرية لبنان وهويته الحقيقيّة وللحق الإنساني بأن يعيش المرء حرًّا، فأتت عبارته الشهيرة: “لا نريد أن ندخل في السجن العربي الكبير.” عبارة حملت رسائلا أودت بحياته. فالسجن الكبير هو واقع العالم العربي القائم على قمع شعوب بطاقات باهرة على المستوى الفكري، العلمي، والمجتمعي. عليه، إستشرف كمال جنبلاط صحوة الشعوب العربية وإنقلابها على ديكاتورييها قبل أكثر من ثلاثين عام على استيقاظها. ونحن كذلك تناقلنا إيمانه بأن ساعة التحرر أتية لا محالة، فلن يبقى سجن عربي كبير على هذه الأرض العربية إلا وسيتحطم على رأس من عمّره. فكما قال كمال جنبلاط: “الحرية جهاد، وهي الجهاد الأكبر في حياتنا”.

كما وجمع كمال جنبلاط الحرية بالوعي فحمّل الأحرار ومن يطوق للحرية، مسؤولية أن يكون حكيما، عاقلا متعقّلا. فقال: ” لا بدّ للحرية أن تقترن بشرعة العقل وقيم استشفافه”. عليه، فليفهم قادة اليوم ضرورة المنادات بحقوق الإنسان لا بحقوق الطائفة، فالحرية وعي والوعي يرتقي بحدود الإنسان الى ما بعد الطائفة أو المنطقة أو حتى الوطن. إقرءوا كتب كمال جنبلاط إن كنتم تقرأون، هذا المفكر الذي قال: “لتتحطم جدران الطوائف”، الجدران التي قسّمت لبنان فشرذمت تطبيقات الحرية، الإشتراكية، والإنسانية التي أرساها كمال جنبلاط.

سطور سريعة موجزة نقشت كلماتها نهج المعلم ورؤيته. كلماتٌ جمعت بين ما قاله المعلم وما حصل بنا، أو ما نعيشه في عصر يفتقده. كل ذلك يثبت أن يد الغدر ما نجحت بقتل شهيد بحجم الأمة العربية، لا بحجم خطتهم المنكوبة. فكمال جنبلاط صرخ بوجه الإحتلال الغربي والعربي، وقدّم نفسه شهيدًا لأمة لن تعبر جسر الحياة، جسر الديمقراطية، جسر الحرية، إلا على جسده فتنهل من نهر فكره وتمضي في طريقها نحو شرق جديد… .

(أنباء الشباب، الأنباء)