أنا أيضاً تعرّضت للتحرّش الجنسي!

“أنا أيضاً تعرّضت للتحرش الجنسي”. نعم لقد تعرّضت للتحرش الجنسي مراراً وتكراراً منذ تفتّح براعم أنوثتي!

المرّة الأولى كانت كلامية من جارنا، يوم أتى يساعد أبي في انتشال سيارته من الثلوج المتراكمة، فسألني سؤالاً مبطّناً أرفقه بنظرة شهوانية خبيثة أدركت معها أن خطأً ما يحصل بحقّي، دون أن تكون لدي أدنى فكرة بعد عن وظيفتي الجنسية بنظر هذا الوحش الستّيني! لم أنطق بكلمة رداً عليه، بل اكتفيت بالانسحاب لأنني أصلاً لم أفهم مقصد كلامه! وأعترف بأنني لم أدرك حينها تبعات هذا الموقف علي إلا بعد أشهر، عندما فهمت مقصد كلامه بصدفة “تحليليّة”، فبقي “العار” يلاحقني لأنني لم أبادله بصفعة أو بجواب مناسبٍ يوقفه عند حدّه على الأقل!

المرّة الثانية كانت أيام الدراسة الجامعية، وكانت عبارة عن موقفين متتالييْن ثانيهما بقي أشدّ إيلاماً من الأول بكثير، خصوصاً أنه تطوّر إلى تحرّش متمادي لم أكن أقوَ لمحاربته أو الإفصاح عنه أو “الوشاية” بفاعله.

الموقف الأول صادفني من “مهووس” حقير وسط الشارع. كنت أجري مكالمة هاتفية من غرفة الهاتف العام، عندما أوقف سيّارته بجانبي وامياً إلي بحركات غير عاديّة، لأتفاجأ بأنه نصف عارٍ! لا أقوى حتى الآن على وصف الخوف الذي اعتراني. أنهيت المكالمة وخرجت راكضةً إلى حرم الجامعة. استقبلتني صديقتي عند باب الجامعة ملاحظةً “اصفراري” من شدّة الخوف، وبعد ان اصطحبتني إلى كافيتيريا الجامعة وأخبرتها “الحدث – الصّدمة”، ضمّتني إلى صدرها شارحةً لي أن مثل هذه الأمور تحصل ولا تستدعي كل هذا الخوف، بل تتطلب الوعي والحذر والجرأة لمواجهتها ووضع حد لمرتكبها!

taharech_2016

– “أما الموقف الثاني، فما زلت لا أقوَ على استيعابه”، قالت!

– أخبريني، أفصحي عمّا يزعجك لهذا الحد..

– في الفترة نفسها.. كنت في الثامنة عشر من عمري تقريباً.. شعرت ذات ليلة بأخي الكبير كعادته يحنو علي ليلاً عند عودته إلى البيت. ولطالما كان يقبّل جبيني ويغطّيني ليخلد إلى النوم في السرير المجاور. لكن ذات ليلة شعرت بأنامله تداعبني. لم أصدّق ما يحصل، ولم أدرك كيف علي أن أتصرّف. ظلّ يداعب شعري ورقبتي بأنامله لدقائق، ثمّ قبّلني كعادته وانصرف للنوم.

وفي اليوم الثاني والثالث والعاشر، وعلى مدى أشهر.. ظلّ يكرّر فعلته ويطوّرها وأنا أدّعي أني نائمة، وأكتفي بتغيير وضعيّة نومي متى شعرت أنه بصدد التمادي أكثر! لم أكن أشأ أن أصدّق، حتّى ذات يومٍ، ولدى عودته من عمله في وضح النهار، غمرني بداعي “عطفه وحنّيته على أخته الصغرى”، كما كنت أسمع من أمّي دوماً عندما كانت تحدّث الناس عنه وعن مثاليّته. يومها شعرت بعضوه الذكري منتصباً بشدّة. وكنت عندها بدأت أستوعب – بالصدف أيضاً – وظيفتي الجنسيّة. فأدركت أنني أتعرّض لأبشع أنواع التحرّش.. لكنّني بقيت أكبت هذا “العار” عليه وعلي إلى أن سافر وتزوّج.. و”أعتقني” من شهوته!

ختمت صديقتي قصّتها التي لا فائدة من ذكر تفاصيلها. وبكت! وبكت! وبكت!

index1

حقّاً لم ترد هذه القصص على مسمعي ضمن سياق حديث في حملة “#أنا_أيضاً” العالمية التي أطلقت مؤخراً لمناهضة التحرّش الجنسي. بل وردتني من صديقة لم تستوعب ذهولي لما أسمع. سألتها: لمَ لم تخبري أمّك أو أحداً حينها؟ فأجابتني بأن “أخيها الوحيد ذاك كان مدلّل العائلة، والرجل المثالي بنظر والديها والأقارب، وبأن أحداً لم يكن ليصدّقها، خصوصاً انه كان يمتلك من الدهاء ما يكفي لاتهامها بتلفيق القصّة، وإلصاق أبشع التهم اللاأخلاقية بها؛ وتحدثت عن أمور شخصية كثيرة وعن تجارب خاطئة مرّت بها بعد ذلك كنتيجة نفسية لما قاسته مع أخيها، قبل أن تنهي حديثها ببكاء طويل، وتمنّي بألا أنشر قصّتها، وإن أردت فألا أذكر إسمها!

سألتها أخيراً: وممّ تخافين بعد؟ فقالت: رأسمالي خرطوشة من أخي الذي تربّى على فكرة أن القتل محلّلٌ دفاعاً عن الشرف.. وإن لم يقتلني هو، فالمجتمع سيرجمني بدل المرّة ألف مرّة طوال أيام حياتي لأنني فضحته. فربّما أخرب بيته او حياته كلّها.. وهو أخي!!

كتبتُ هذه القصّة ودموعها تحرق في قلبي وقلمي إلى الآن. وكي أبعد الكأس عنها اخترت عنواناً قد يهدّدني كأنثى تحيا في المجتمع نفسه. لكن القضيّة أخطر من أن نؤثِر الصّمت عنها!

القضيّة قضيّة مجتمع تتعرّض فيه المرأة للاغتصاب بدل المرّة ألف مرّة يومياً، دون أن يرفّ لشرفه جفنٌ، فيما كشف الحقيقة وحده قد يشعره بالعار ويوعّيه على ضرورة الضغط بشتى الوسائل لسنّ التشريعات اللازمة والضرورية لحماية المرأة، كل امرأة، من التحرّش وتداعياته!

غنوة غازي – “الأنباء”