ما هي القطبة المخفية دولياً التي سحبت فتيل التصعيد؟

ثمة قطبة مخفية في الكواليس الدولية أدت إلى سحب فتيل التوتر والتصعيد، وامتصاص صدمة إستقالة الرئيس سعد الحريري، بحد أدنى من الخسائر.

قبل أسبوع كان الجو يوحي بتصعيد كبير مقبل على لبنان، لكن اليوم أمور كثيرة تغيّرت، وانحصرت بكلام الحريري والسقف الذي رفعه وعنوانه النأي بالنفس، والإبتعاد عن الدخول في أزمات المنطقة. في كلام الحريري، برز موقف أساسي كرره لأكثر من مرة، وهو وجوب إنسحاب حزب الله من اليمن، قبل أي مكان آخر، إذ اعتبر أن الإعتراض السعودي على سلاح حزب الله ورفع سقف المواجهة معه، بدأت مع تدخّل الحزب في اليمن.

كانت هذه إشارة لافتة، إلى مطلب سعودي أساسي، وهو بالحصول على تنازل إيراني، بالإنسحاب من اليمن، وكان تحقيق ذلك يقتضي تصعيداً سياسياً وميدانياً، في لحظة سياسية مفصلية، بدأت مع إقرار العقوبات الأميركية على حزب الله، والعقوبات على الحرس الثوري الإيراني، تصعيد أميركي ضد إيران والتلويح بالإنسحاب من الإتفاق النووي، أو إدخال تعديلات عليه.

على هذا التوقيت عملت السعودية في إختيار تصعيدها في لبنان، وهذا ما دفع بقوى عديدة ترفض التصعيد، وتريد لبنان منطقة مستقرة، للتدخل وسحب فتيل التوتر.

فيما كانت السعودية تعتبر أنه يجب القضاء على حزب الله، وهذا يعني وصول التصعيد إلى حد إندلاع حرب، كانت قوى دولية أخرى غير متحمّسة لهذه الخطوة، لكنها أيضاً تريد تحجيم نفوذ حزب الله والحد من إنتشار توسّعه، والضغط عليه لإنسحابه من سوريا ومن الميادين الأخرى، عملت هذه القوى على مفاوضات سريعة مع إيران، الحريصة على الإحتفاظ بما حققته من مكتسبات، وبالحفاظ على الإتفاق النووي، وقد أبدت إيران استعدادها لإنسحاب حزب الله من سوريا واليمن، الأمر الذي دفع الدول إلى الضغط على السعودية، لوقف التصعيد، مقابل توسيع إطار المشاورات ريثما يتم الحصول من إيران على ضمانات لتحقيق ذلك.
وعلى أساس هذه البوادر، كانت إطلالة الحريري هادئة، ومنسجمة مع خطابه المعتاد، الذي أعاد إليه روحية ربط النزاع مع حزب الله، ورفع شرط الإلتزام بالنأي بالنفس، للعودة إلى السلطة، وإعادة تفعيل عجلة المؤسسات.

فيما كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قد استبق موقف الحريري، باعتباره أن الحرب في سوريا انتهت، ما يعني أنه فتح الباب أمام إحتمال العودة من هناك.

لا شك أن السعودية وافقت على فترة السماح هذه، وبالتالي فإن فتيل التصعيد قد يسحب في الفترة المرتقبة، إلا إذا لم تلتزم إيران بهذا الإتفاق الذي يجري نسجه وبلورته، وحينها فإن السعودية ستكون مستعدة للتصعيد مجدداً، وهذه المرّة فلن يكون هذا التصعيد مقتصراً على الموقف السياسي، بل قد يتطور إلى عقوبات إقتصادية وإجراءات أخرى. وما لا شك فيه أيضاً، أن لبنان أصبح معلّقاً أكثر من أي وقت مضى على حبال التطورات الإقليمية والدولية، والتي ليس من السهل، سيتم التوصل إلى إتفاقات بشأنها.

ربيع سرجون – الأنباء