هكذا مهّد الحريري لعودته إلى بيروت؟

قدّم الرئيس سعد الحريري خارطة طريق للمرحلة السياسية المقبلة في لبنان. لم يعلن تخليه عن التسوية، وأكد أنه حريص عليها وعلى الإستقرار، كما على العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وهذا دليل على أنه يتخذ مواقف تهدوية بمعزل عن التصعيد السعودي الذي وضع عون في مصاف الحليف لحزب الله. تمسك الحريري بمبادئه، وبشخصيته الحوارية الهادئة، وبالتالي لم يغلب عليه منطق التصعيد أو التهديد والوعيد. مع احتفاظه بالثوابت والتشديد عليها.

كرر الحريري في أكثر من مرّة أنه عائد إلى لبنان، كما كرر أنه يتمسك بسياسة النأي بالنفس، والتي اعتبرها المجال الوحيد، لإعادة إنتاج التسوية وتصويبها بالشكل الذي يتلاءم مع مصلحة لبنان، وإبعاده عن سياسة المحاور والدخول في صراعاتها. عاد الحريري إلى سياسة ربط النزاع مع حزب الله، وأشار إلى الخلاف معه على مسألة السلاح التي لا بد من حلها إلا من خلال تسوية إقليمية، لكنه وضع شروطاً جديداً للعودة، أبرزها إنسحاب الحزب من اليمن، والتخلي عن سياساته التي تضع لبنان في مواجهات مع الدول العربية.
استطاع الحريري، امتصاص كل الأجواء التي أفادت بأنه معتقل، وجرى تعميمها لعدم الإعتداد بما يقوله لأنه قيد الإقامة الجبرية، وكانت هذه الأجواء تنطلق من توقعات هؤلاء بأن الحريري سيخرج بمواقف تصعيدية، تماهياً مع التصعيد السعودي ومع بيان إستقالته، وبالتالي سيقولون إنه قيد الإقامة الجبرية وأجبر على الخروج بهذه المواقف، وذلك للإستمرار في إعتبار أن إستقالته غير قائمة. التف الحريري على كل هذه المحاولات، وخرج بخطابه المعهود وشخصيته الهادئة والمرنة، لتبديد كل ما يقال له.

في الكلام السياسي العميق، مهّد الحريري من خلال هدوئه الطريق أمام عودته إلى لبنان، وأشار إلى أنها قريبة جداً، وهي مقرونة بتوفير حمايته الأمنية، أما عن المرحلة المقبلة، فأشار إلى أنه سيعود إلى تقديم إستقالته بشكل رسمي لرئيس الجمهورية، ومن ثم الدخول في حوار فيما بعد، يتناول مختلف القضايا الخلافية. إلا أن هناك نقطة أساسية مررها الحريري، حين اعتبر أنه قد يتراجع عن إستقالته إذا ما تحققت بعض الشروط وأبرزها النأي بالنفس. وهذا مؤشر سياسي لا بد من التوقف عنده، ويعني أنه سيفتح المجال أمام مبادرات أخرى، كما أن الأيام ستكشف المزيد من المعطيات حول ما جرى وما سيجري.

وبمقدار تأكيد الحريري على ثوابته، فهو أكد أيضاً أن لبنان على مشارف الدخول في مرحلة سياسية جديدة، تستند على التسوية لكنها تسعى لتصحيحها، مقدماً خطاباً لبنانياً، يهدف للبحث عن المصلحة اللبنانية، ويرتكز على إستمرار العلاقة مع عون، ولكن بشروط جديدة.

ربيع سرجون – خاص “الأنباء”