ما بعد إستقالة الحريري… من يحسم “الغموض” الدستوري؟

لم تحدِث إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري صدمةً سياسيّة فحسب، بل زرعت في أوساط السياسيين قبل اللبنانيين تساؤلاتٍ عن الآتي والأدوات المتاحة لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، سرعان ما استحالت ارتباكًا دستوريًا وتناقضًا في استقاء المواد والركون إليها.

زرعت تساؤلات المرحلة المقبلة تناقضًا دستوريًا صريحًا لا سيما في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية وبالخطوات التي يمكن أن يُقدِم عليها في الأيام القليلة المقبلة.

وتجسد هذا الارتباك على شاكلة تساؤلات: هل بات الحريري وحكومته في حكم المستقيليْن؟ أم يجب أن تُرفَع الاستقالة خطيًا إليه لتصبح سارية؟ وهل يحقّ لرئيس الجمهورية أن يرفض الاستقالة في الأساس؟

الأكيد أن رئيس الجمهورية ينتظر الرئيس الحريري ليفهم منه ماهيات الاستقالة وظروفها، ويرفض الاعتراف بها إلى حين العودة المرجوّة للحريري، وهو ما أوحى لكثيرين بأنّ الاستقالة غير منجَزة بعد طالما أنها ما زالت شفوية.

ينقسم الرأي الدستوري في إتجاهين، يقول أولهما إنه “فور استقالة رئيس الحكومة تعتبر الحكومة مستقيلة حكمًا وتنحصر صلاحياتها في تصريف الأعمال”، بمعنى أن الحكومة اليوم هي حكومة تصريف أعمال تلقائيًا. ويتعزز هذا الرأي في المادة 69 من الدستور والتي تنص على أن الحكومة تُعتبر مستقيلة في حالاتٍ جمة منها: إذا استقال رئيسها”… أما الاتجاه الآخر (الأكثري) فينحو الى التأكيد أن “طالما أن رئيس الجمهورية لم يوقع على الاستقالة الحكومة لا تعتبر مستقيلة وتتمتع بكامل صلاحياتها”. ويتكرّس هذا الرأي في 53 من الدستور والتي تتناول مهام رئاسة الجمهورية بحيث تنص على أن “الرئيس يصدر منفردًا المراسيم بقبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة”، ما يعني أن صدور المرسوم مرتبط حكمًا بقبوله من رئيس الجمهورية.

الكلام على قبول الرئيس يقود إلى نقاش آخر عنوانه الأبرز: هل يحقّ للرئيس أن يرفض الاستقالة؟ وهنا يبدو أن هناك اتفاقًا بين مختلف الدستوريين على أن رئيس البلاد لا يحق له أن يرفض الاستقالة بل أن ينهي رئيس الحكومة عنها وفي حال فشل في إقناعه تصبح الحكومة تلقائيًا حكومة تصريف أعمال. علمًا أن هناك ارتباكًا دستوريًا آخر مرتبطًا باكتساب الحكومة صفة “تصريف الأعمال” لمجرد الاستقالة أو لدى إصدار مرسوم قبول استقالتها من رئيس الجمهورية.

أيًا يكن، وحدها الأيام القليلة المقبلة التي ينتظر فيها رئيس الجمهورية العودة “الافتراضية” لرئيس حكومته كفيلة بحسم هذا الجدل وبرسم الخيارات الجديّة المتاحة أمام الرئيس عون والتي يبدو أقربها الى الواقعية والدستور إطلاق عجلة استشارات نيابية جديدة لتسمية رئيس حكومة جديد، أو الصمود بحكومة تصريف أعمال الى حين حلول موعد الانتخابات، على أن تكون المغامرة الكبرى بمجلس النواب الذي لن يحق له التشريع في ظلّ حكومة تصريف أعمال.

رامي قطار- “الأنباء”