المختارة… زعامة تتخطى طائفة

بيار البيروتي

أنباء الشباب

قد يعجب البعض عندما يكتب مسيحي ماروني عن زعامة درزية !! رغم قناعتنا المطلقة وشهودنا للحق بانها وطنية عابرة بإمتياز للطوائف والمذاهب والمناطق.

مذ حلّت الفتن في الجبل وما نتج عنها من قتل وتهجير ودمار. ربّ سائل، من سكب الماء على الزيت؟ هل الاسرائيلي، ام السوري، ام الحركة الوطنية، ام الجبهة اللبنانية، أم الاحزاب، ام من؟! الجواب بإختصار جرت المصالحة وانهى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والبطريرك الماروني نصرالله صفير كل ذيولها، وفُتحت صفحة جديدة من العيش المشترك والواحد في الجبل ليعود كما كان قبل الاحداث. وجاءت تلك العبارة ” ادفنوا موتاكم وانهضوا ” التي تحمل الكثير من المعاني التي هدف لها وليد جنبلاط، بعدما وضع كوفية الزعامة على كتفي نجله تيمور، أمام بحر من المناصرين في باحة قصر المختارة في ذكرى إغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط زعيم الحركة الوطنية اللبنانية.

قالها ليؤكد على تلك المصالحة، وبإن العباءة الملطخة بالدم التي لبسها مع بدء الحرب اللبنانية استبدلها بكوفية اكبر شمولا نحو الوطن العربي، وبنفس الوقت ليقول لنجله تيمور أن ما مضى قد مضى فلقد نسينا الماضي فعليك أن تدفنه وأن تمضي قدماً، لأن الحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء. ويكفي الجبل ما حصل فيه من تفتيت لأواصر العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين عموماً وبين الدروز والموارنة خصوصاً – طبعا تيمور لم يتأخر ليتلقف الإشارة وذلك مع جولته الأخيرة على عدد من قرى الشوف التي حصلت فيها مجازر عامي 1977 و 1983 حيث وضع اكاليل من الزهر على مذبح كل كنيسة شهدت دموية ” الآخرين على ارضنا ” ليكمل طيّ الصفحة الاليمة.

وفي كل موقف من المواقف كان حرص وليد جنبلاط يتجلى اكثر واكثر في دعم عودة المسيحيين الى الجبل رغم تشكيك البعض، وترجم ذلك في توفير كل مقومات وشروط العودة المريحة للمسيحيين، كما كان السباق في تقديم الدعم المادي والمعنوي واحيانا اللوجستي والمعدات لإعادة بناء وترميم الكنائس التي تضررت إبّان الاحداث، وتوّجت أخيرا بترميم كنيسة سيدة الدّر في المختارة، وصولا الى حل اي مشكلات فردية أو جماعية كانت تعوق إتمام المصالحات في القرى، وبعد ذلك في تطبيق شعار الإنماء المتوازن لنهوض الجبل.

ولأن سلامة الجبل بنظر وليد جنبلاط ووحدته تقوم على الجناحين المسيحي والمسلم كانت خطوة تشييد جامع الأمير شكيب إرسلان (امير البيان) في محاذاة قصر المختارة، كما كنيسة سيدة الدّر، عدا المشاريع الانمائية، كانت بدورها كثيرة أنجزها في منطقة إقليم الخروب ذات الغالبية السنية والمسيحية. بما يدّل على رؤية وليد جنبلاط الوطنية، اضافة الى كل مواقفه السياسية التي لم تكن مرة متقوقعة او تخص طائفة دون سواها من شركاء الوطن، الى جانب طبعا مواقفه السياسية العامة التي اكثر ما تلامس هموم الوطن والمواطنين.

ليس مستغربا انني كمسيحي إن ذهبت الى قصر المختارة للقاء تيمور جنبلاط اليوم، حيث ارى المسيحي والشيعي والسني كما الدرزي ممن يأتي لطلب خدمة او لإعلان موقف او تأييد لمسيرة بيت وطني وحدوي يعبق بالتاريخ الماضي والحاضر، وقدم خيرة رجالاته حفاظا على الجبل والوطن وأولهم شهيد الاستقلال الاول كمال جنبلاط. ولو عدنا الى الامر من ناحية حزبية لوجدنا ان هيكلية وتركيبة الحزب التقدمي الإشتراكي ليست طائفية، بدليل نائبي الرئيس مسيحي وشيعي، وأمين السر العام شيعي، وأعضاء مجلس القيادة من مختلف الطوائف، ربما على نقيض معظم الأحزاب اللبنانية ذات الصبغة الطائفية، وهذا ما يطبع ايضا صورتي جبهة النضال الوطني واللقاء الديموقراطي الوزاري والنيابي.

واليوم مع إستلام تيمور جنبلاط الزعامة، فإن كل الأنظار متجهة الى تلك القامة الشابة الطموحة والواعدة، التي قُدّر لها ان تكون في الموقع “الأشرف” لخدمة الناس، وهو إبن الـ 34 عاما، يدخل الى قلب اللعبة السياسية المحلية والدولية. من هنا فإن الكثير من الشباب ينظرون اليوم الى تيمور جنبلاط نظرة فخر وإعتزاز بوصول من يمثلهم ويحمل همومهم الى موقع القيادة، ولذا ينتظرون منه الكثير. وقد يكون المطلوب منه اكثر مما يتوقع، وانما بنهج شبابي مختلف وطريقة عمل جديدة تتماشى مع العصر الحالي في الكثير من الملفات الإقتصادية والإنمائية والإجتماعية والسياسية المطروحة والشائكة، وقبل اي شيئ، بما قاله هو “حماية العيش المشترك في الجبل وتثبيت الأهالي في قراهم ومناطقهم”.

لذا كما قال أبيك “سر يا تيمور مرفوع الرأس، وإحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، واشهرعالياً كوفية لبنان التقدمية، كوفية الاحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل ايا كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”. هذه هي الزعامة الجنبلاطية، وهذا هو الحزب التقدمي الأشتراكي…رسالة لوطن.

(انباء الشباب، الأنباء)