هل حققت زيارة الملك السعودي الى روسيا العلاقة الاستراتيجية مع الكرملين؟

خطت الرياض خطوة جديدة في سلم خطوات الانفتاح الدولي التي تنتهجها، من أجل تعزيز شراكة استراتيجية مع الدول الكبرى بعيداً عن الأحادية الأميركية – الغربية التي طبعت علاقتها المتنوعة خلال العقود الماضية، فبعد الزيارة التاريخية لجمهورية الصين الشعبية، وزيارة مماثلة لليابان، ارتفع العلم الأخضر الموشح بالآية القرآنية في قاعة الاستقبال في الكرملين الى جانب العلم الروسي واستقبل الرئيس فلاديمير بوتين نظيره الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في زيارة هي الأولى من نوعها لملك سعودي الى عاصمة الاتحاد السوفياتي السابق، والذي كان من المفترض ان تحتفل هذا العام بمئوية الثورة البولشفية التي غيرت وجه الإمبراطورية القيصرية ووضعتها على خارطة العالم الحديث.

يصف الرسميون الروس والسعوديون زيارة الملك السعودي الى موسكو ودخوله الكرملين اعلان واضح بانطلاق مرحلة جديدة من العلاقات الدولية السعودية – الروسية، وأنها نقطة تحول باتجاه تأسيس شراكة جديدة بين القطبين، بعد أن طبعت الصراعات الايديولوجية علاقتهما خلال القرن الماضي، حيث لم تخلوا من النزاعات والخلافات والتوترات والحروب غير المباشرة.

الروس وكذلك السعوديون، يقولون أن علاقتهما الجديدة تقوم على قاعدة المصالح فقط، أي لا دور فيها للأيديولوجيا أو لأي خلفيات أخرى، وهذا التحول ليس فقط في روسيا أنما أيضاً في المملكة العربية السعودية، حيث أن التفاهمات والاتفاقات والمعاهدات التي وقعت، هي اتفاقات اقتصادية وتجارية مشتركة، وبالتالي فإن طابع هذه العلاقات يحكمها النضج الكبير الذي طبع التحولات البينية في علاقة المملكة العربية السعودية مع دول العالم سواء العلاقات الكلاسيكية مع أميركا والدول الغربية لا سيما الأوروبية، أو في علاقاتها الجديدة مع الصين واليابان وروسيا.

الملحق الروسي الأسبق بسفارة بلاده في السعودية فلاديسلاف لوتسينكو، وصف زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى موسكو بالتاريخية، وقال “أن تعاون أكبر دولتين مصدرتين للطاقة في العالم، ستثمر وستؤسس لخارطة طريق خلّاقة لمعالجة الاضطراب الذي يعيشه سوق النفط وتذبذب أسعاره، فضلاً عن تمهيد الطريق لعمل سياسي مشترك مستقبلاً”، وأكد أن البلدين “سيعملان سوياً لاستقرار سوق البترول في العالم، خصوصاً أن هناك تفاهمات واتفاقيات جرت سابقا بين البلدين في أوقات مختلفة، سترى النور بقوة بعد هذه الزيارة الكبيرة والتي تحمل في طياتها أكثر من معنى وتخدم أكثر من اتجاه، مشيراً إلى أن العلاقة بين البلدين مهمة وملحة أيضاً سياسياً واقتصادياً وتجارياً وأمنياً”.من جهة أخرى اعتبرت مصادر دبلوماسية عربية مختصة في العلاقات الروسية – السعودية ان زيارة العاهل السعودي لموسكو، ستعزز الأمن والسلام الدوليين، وستحقق الكثير من الإنجازات على مستوى القضايا الملحة وفي مقدمتها القضية السورية، فضلاً عن تعظيم العمل الاستراتيجي المشترك بين البلدين.
وقالت المصادر في حديث ل “الانباء” تعليقا على الزيارة التاريخية، “نحن أمام مرحلة جديدة لعلاقات تعاون استراتيجي بكل معنى الكلمة، وسينعكس ذلك إيجاباً على مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وعلى صعيد التعاون الثنائي، حيث تفسح المجال واسعاً للمضي قدما نحو التقارب السياسي والاقتصادي ومواجهة التحديات سوياً، مما يسهل حل الكثير من الأزمات في المنطقة”.

وأوضحت المصادر أن “روسيا لم تعد بعيدة عن المنطقة كما كانت طيلة العقدين السابقين، بل أصبحت في دمشق وتقبض على عنق النظام في سوريا، وتحدد مسيره ومصاره، ولها علاقات ناشطة مع بغداد وطهران وتركيا، والقاهرة، فضلاً عن تعاونها وعلاقاتها الوطيدة مع إسرائيل، أي أن معظم الدول الإقليمية الفاعلة لديها علاقات جيدة مع موسكو، واليوم تأتي علاقة المملكة العربية السعودية لتكمل حلقة تلك العلاقات، من موقع الحاجة المتبادلة لكل من روسيا والمملكة السعودية، ومن زوايا متعددة، ومن مستوى عالٍ من التكافؤ والندية يضبط ميزان تلك العلاقة ويجعلها متمايزة عن مجمل العلاقات الروسية مع دول المنطقة لما للمملكة من تمايز اقتصادي وتأثير موضوعي ومعنوي في العالمين العربي والإسلامي”.

من يبحث في عمق المعادلة الثنائية للعلاقة الروسية – السعودية، يدرك أن البعد الإقليمي فيها هو نتاج تطورات عديدة، منها صعود الدور السعودي، وعودة الدور الروسي من زوايا مختلفة، بعد أن فقد وزنه قبل عقدين من الزمن.

أما إذا نظرنا الى طبيعة الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها لا سيما العسكرية ندرك حجم الجهد الذي بذله الطرفين منذ أن زار الرئيس الروسي الرياض قبل سنتين الى اليوم، وما تم تذليله من عقبات حالت سابقاً دون الارتقاء بالعلاقات الثنائية الى مستوى الشراكة التي دخلت فيها مع زيارة خادم الحرمين الشريفين الى موسكو، والتي فتحت باب عملية التسلح النوعي المرتبط بمنظومة الصواريخ الاستراتيجية (s400) التي تعتبرها روسيا فخر صناعتها العسكرية، وهنا يكمن البعد الاستراتيجي في التحول السعودي التي تتجه بقوة نحو تنويع مصادر أسلحتها، والفكاك الجزئي والتدريجي والهادئ من أسر الاحتكار الأميركي في مجال التسلح والأمن للملكة، وهذا التحول يعكس نتاج ما عانته المملكة من تقلبات السياسات الأميركية لا سيما في عهد الرئيس باراك أوباما، والتي لم تستقم حتى الآن، ولم ترقى الى مستوى العلاقة التحالفية التقليدية، والدليل على ذلك ازدواجية الموقف الأميركي من الازمة مع القطر ومن الحرب في اليمن.

ثمة جانب آخر للثنائية الجديدة (الروسية – السعودية) حيث تتوقع المصادر ان يكون لها أثر مباشر على منطقة الشرق الأوسط، وهذا سيتضح من خلال مسار الأزمة السورية، حيث يعطي التناغم الروسي – السعودي دور فاعل للرياض في إعادة بناء الوضع في سوريا بعد توقف الحرب العبثية الجارية على الشعب السوري، على عكس الدور الإيراني المنخرط عسكريا في الصراع من خلال ميليشياتها المسلحة التي شاركت في قتل الشعب السوري والعراقي، وبالتالي ثمة بعد استراتيجي في هذه العلاقة الثنائية، حيث تسهم في إزاحة وحصر الحضور والتدخل الإيراني في المنطقة، حيث من المتوقع تصاعد الحضور السعودي في المصالح الروسيا، سيما وأن العلاقة الروسيا – الإيرانية لا تعدو كونها علاقة آنية مصلحية تكتيكية، أقل تأثيرا في المصالح الاقتصادية والديموغرافيا الاستراتيجية الروسيا.

أهمية زيارة الملك السعودي الى موسكو تكمن أيضاً، أنها أبرزت نمطاً جديداً للعلاقات السعودية الخارجية، والذي تتنوع فيه اشكال تلك العلاقات من ثنائية سياسية اقتصادية، الى فنية ثقافية سياحية، وقد برز ذلك في إحياء الأسبوع الثقافي السعودي المرافق للزيارة، والذي تضمن العديد من الأنشطة الفنية السعودية ومنها التشكيلية، ما يؤكد أهمية الانفتاح السعودي الجديد، وأهمية التحولات التي تجري داخل المملكة، والتي وضعت على سكة التغيير والانفتاح الشامل على أنماط الحياة المختلفة سواء كانت غربية أم شرقية، وهي بالتالي نتاج القرارات التي بدأت تسلك طريقها داخل المملكة، والتي بدأت تبرز معادلة جديدة تريق القيادة الشبابية في السعودية ايصالها للعالم، وهي أن المملكة العربية السعودية تسير في طور تشكل جديد أكثر حداثة واكثر انفتاح وأكثر قدرة على التعامل مع قضايا العصر الثقافية والإنسانية والمجتمعية.

هذا يعني أن المملكة السعودية تسير بخطى ثابتة نحو احتلال موقع إقليمي وتأثير دولي لا يقل أهمية عن تأثيرات الدول المتقدمة التي سبقت المملكة في هذا المجال ومنها تركيا والدول الآسيوية التي تعرف اليوم بالنمور الصاعدة، سيما وأن هذه التحولات تترافق مع تحول هام في أنماط الاقتصاد السعودي من الريعية – النفطية الى توطين الصناعات التقليدية والصناعات الحربية والنووية السلمية داخل المملكة.

فوزي ابو ذياب- “الأنباء”