عودة الثنائيات وشد العصب!

وسام القاضي

إستوقفني كلام وزير الخارجية جبران باسيل في جولته الأميركية والكندية، وعادت بي الذاكرة إلى جولة الرئيس أمين الجميل الأميركية أيضا في بداية الثمانينات بعد إنتخابه رئيسا للبلاد، حيث تحدث آنذاك عن الخمسة آلاف شهيد (وقصد آنذاك شهداء الكتائب) ونسي المئة ألف شهيد من اللبنانيين أثناء الحرب.

أما كلام الوزير باسيل فكان شعبويا بإمتياز ويصب في خانة الخطاب السياسي المسيحي الذي كان سائدا في لبنان قبل بداية الحرب عام 1975. فالحديث عن قانون الجنسية، من سحب الجنسية من هذا إلى إعطائها إلى ذاك، والخطر من اللاجئين الفلسطينيين إلى النازحين السوريين، كلها عناوين لشد العصب المسيحي، مع العلم أن ضعف الدولة اللبنانية منذ نشأتها هو السبب الرئيسي لإستباحة لبنان من قبل المحيطين به، ولو لم يطرح شعار “قوة لبنان بضعفه” لكنا جنبنا البلاد كل المآسي التي ألمت به.

2011117224040_4509-1024x576

إن بناء الدولة لا يتم عبر بث روح الحقد والكراهية وتوتير الأجواء، ولا يجوز محاكاة المغتربين عبر التقوقع الطائفي، خاصة أن علاقات اللبنانيين في الخارج بعيدة نسبيا عن التقوقع المذهبي. وإذا كان هنالك من بحث لإيجاد حافز لإنخراط اللبنانيين في الخارج بالدولة اللبنانية فيجب شد عصب لبنانيتهم وليس مسيحيتهم أو إسلاميتهم! وكم هو مستهجن أن تكون وزارة الخارجية والمغتربين منبرا لذلك!

أما فيما خص التناغم الحاصل بين الرئاسة الأولى والثالثة، الذي يظهر جليا بالعلاقة بين الرئيس الحريري والوزير باسيل، فقد يعيد أجواء البلاد إلى الثنائية المارونية – السنية التي حكمت البلاد منذ عام 1943 وحتى عام 1975. إن هذه الثنائية بنت دولة وفق التوافق والتراضي ولم تبن دولة المؤسسات، دولة النزاهة والكفاءة، بل بنت دولة المحسوبيات والإستفادات. من هنا، فإن كل ثنائية تتشكل في لبنان لا تبني وطنا بل تجمع مصالح أفرقاء على حساب الوطن.

رياض الصلح

ويبدو أن الكثيرين لم يتعظوا من مجريات الحرب اللبنانية ومتغيراتها، ويبدو أيضا أن الكثيرين لا يحسنون قراءة تقاطع المصالح الإقليمية والدولية، فلبنان هذا البلد الصغير الذي تشكل وفق إتفاقية سايكس بيكو على الخارطة السياسية العالمية، هو كحجر الدامى يتم تحريكه في الوقت المناسب والمكان المناسب لتحقيق مصالح القوى الخارجية. ويترك لشعبه هامش بسيط للتسلية بالأوضاع المعيشية والإقتصادية حيث تتخبط الدولة بين مصالح أرباب العمل وأولويات الموظفين الحياتية، وبينهما قطاع المصارف الذي يتحكم بكيان الدولة.

كل شيء متوفر في لبنان إلا الدولة وهيبتها، والقوى السياسية تستفيد من مبدأ التوافق والتراضي لتكسب من الصفقات والسمسرات ما تيسر كتمويل لها، ومؤسسات الرقابة في سبات عميق، أما الحديث عن النزاهة والإستقامة والشفافية هو كذر الرماد في العيون.

باسيل

فيا ليت جولة الوزير باسيل تستهدف إعادة ثقة المغتربين بالدولة اللبنانية، ويا ليته يعتمد شد عصبهم لمزيد من الإستثمارت في السوق اللبنانية، بدل شد عصبيتهم نحو طائفيتهم، فإذا كان الخوف من تناقص عدد المسيحيين في لبنان، فحينذاك يجب قراءة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ذلك، ويجب قراءة مرحلة ما بين الإستقلال وبداية الحرب، هل الثنائية المارونية – السنية حافظت على الوجود المسيحي في لبنان، أم ساهمت في هجرته وأدت إلى إندلاع الحرب اللبنانية!

لبنان لا يمكن أن يبنى إلا بقناعة تامة بين كافة طوائفه على ان المساواة في الحقوق والواجبات وبغض النظر عن العدد هو السبيل الوحيد لبناء الدولة، ويجب إستبدال التوافق والتراضي بالكفاءة والنزاهة لإيصال الرجل المناسب إلى المكان المناسب، وخلاف ذلك فإن لبنان إلى مزيد من الإنهيار والتشرذم!

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار

ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟