ما صحة رسائل حزب الله الاعتراضية على احتفال النصر؟

مجدداً تسبب الإنقسام السياسي في إلغاء إحتفال النصر الذي كان يتم التحضير له في ساحة الشهداء، على أن يجري مساء الخميس. يتذرّع المعنيون بالإحتفال وبتأجيله بأسباب لوجستية وأمنية لتأجيله أو إلغائه بالمعنى الأدق، لكن عملياً الأسباب التي أدت إلى الغاء الإحتفال، ليست تقنية، لا بل هي سياسية وربما أمنية في مكان آخر.
بداية، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يصرّ على حضور هذا الإحتفال مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، ليتضح فيما بعد انعدام وجود الحماسة الكافية لدى الرؤساء لحضور هذا الحفل شخصياً، ولإلقاء كلمات فيه، أولاً لأسباب أمنية، وثانياً لأسباب شخصية تتعلق بهم، إذ أن كل واحد منهم يعتبر أنه لم يسبق له أن شارك في هكذا إحتفال شعبي بصفته الرسمية وليس الحزبية.
الأسئلة التي طرحها المنظمون على أنفسهم، والتي حالت بتأجيل الإحتفال، هي في كيفية حشد الجمهور والمواءمة بين الناس التي تنتمي إلى مشارب سياسية مختلفة، خصوصاً أن هناك إنقسام سياسي حول ما جرى في السلسلة الشرقية، فمثلاً الشارع السني يعتبر أن حزب الله عقد صفقة مع تنظيمي داعش والنصرة، وما فعله هو مسرحية قتالية لتبرير هذا الإتفاق، اما الشارع الشيعي يعتبر أن الحزب له الفضل الأكبر في الإنجاز الذي تحقق، فيما الأفرقاء المسيحيون يريدون حصر ذلك بالجيش، هذا الإنقسام هو الذي دفع إلى إلغاء الإحتفال خوفاً من تضارب الشعارات، والذي قد ينعكس سلباً على الأرض بين أصحاب الآراء المختلفة.
ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى إلغاء الإحتفال، هو الإنقسام السياسي بين الرؤساء الثلاثة، والذي كان سينعكس بشكل واضح على كلماتهم، وهذا ما يتجلى في مواقف التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، حول التحقيق والمحاسبة ووجوب مساءلة أركان العهد السابق، فيما الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري يرفضان ذلك، ويعتبران أن المس بالرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام، وقائد الجيش السابق جان قهوجي خطّ أحمر. كما أن هذا الإنقسام كان سينعكس في توجهات الحريري وبري من جهة أخرى، إذ أن بري سيشدد على دور حزب الله والمقاومة، فيما الحريري كان سيرفض ذلك، ويؤكد أنه لا يوافق على ما قام به حزب الله، ويمنح دعمه للجيش فقط.
هذا من الناحية السياسية المحلية والتفصيلية، أما على الصعيد السياسي الأوسع والذي يرتبط بحسابات إقليمية ودولية، فتشير مصادر متابعة إلى أن الترحيب الغربي وخصوصاً الأميركي بهذا الإحتفال، ومحاولة توفير الدعم المعنوي والسياسي له من خلال مواكبته، قد أثار حفيظة بعض الأطراف في لبنان، وخصوصاً حزب الله الذي اعتبر أن واشنطن تسعى لترسيخ الإنقسام اللبناني، وللإستثمار في هذه المناسبة، لأجل الإيقاع بين الجيش والمقاومة، وما عزز اعتراض حزب الله، هو ما حكي عن توجيه دعوى إلى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي جوزيف فوتيل لحضور هذا الإحتفال، الأمر الذي يعترض عليه حزب الله بشكل قاطع. فيما يعتبر بعض المعارضين لحزب الله، أن الحزب أوصل رسائل إعتراضية على إجراء هذا المهرجان، لسبب وحيد وأساسي، وهو عدم إستمرار التمجيد بالجيش وبدوره، بدون ذكر المقاومة، لأن الحزب يعتبر أن البعض كان سيستثمر في هذا المهرجان والإنطلاق منه، لتكثيف الدعوات بحصر مهمة حماية لبنان وحدوده بالجيش مع تهميش المقاومة ودورها، وصولاً إلى إعادة طرح ملف سلاح المقاومة على طاولة البحث، وبذلك تكون ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة قد تعرّضت لنكسة، بعد الإجماع الذي حاول الحزب إرساءه حولها.
وكذلك فثمة أسباب أمنية عززت اللجوء إلى إلغاء الحفل وتجنّب أي حرج سياسي من خلاله، وهذه الأسباب تستند على تحذيرات وتخوفات من إمكانية لجوء بعض المتطرفين إلى الإندساس بين المحتفين، واللجوء إلى عمليات إستفزاز أو إثارة أي إشكال يؤدي إلى إشتباك، وحتى فرضية تعرّض الإحتفال لعملية أمنية كتفجير أو حادثة إطلاق نار، كانت حاضرة في الأسباب الموجبة التي أدت إلى إلغاء الحفل.
ربيع سرجون – الانباء