الحلف التركي الإيراني المقدس ضد الحلم الكردي

د. خطار ابو ذياب (العرب اون لاين)

هناك تصميم مشترك على منع قيام كيان كردي في شمال سوريا، ومنع تطبيق نتائج الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، حتى لو أدى الأمر إلى اللجوء للخيار العسكري الذي لا تعترض عليه حكومة بغداد.

تدق طبول الاستنفار في بغداد وأنقرة وطهران في مواجهة إصرار مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، على إجراء الاستفتاء بخصوص استقلال الإقليم في 25 سبتمبر القادم. وفِي نفس الوقت تقلق تركيا من تعاظم نفوذ جماعة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردية (ب ي د) ليس بعيدا عن حدودها مع سوريا.

في مرحلة ما بعد داعش من الموصل وتلعفر إلى الرقة ودير الزور والتي لم ترتسم حتى اللحظة كل معالمها، تبرز المسألة الكردية بكل تعقيداتها ويدفع ذلك بإيران وتركيا للتموضع إزاءها والذهاب بعيداً في التنسيق إلى ما يشبه الحلف الحديدي المقدّس ضد الحلم الكردي.

هل ينجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كما سلفه مصطفى كمال أتاتورك قبل قرن من الزمن، وهل تتحرك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدافع التوجس من مخاطر الصعود الكردي في داخلها فحسب، أم أن هذا الصعود يستخدم من قبل الإمبراطوريتين السابقتين بمثابة المبرر أو الذريعة لتقاسم النفوذ في الإقليم على حساب البلدان العربية والنزعة الاستقلالية الكردية؟

تتفاقم المخاوف التركية والإيرانية من أدوار الأكراد، خاصة أن واشنطن باتت تعوّل على الأكراد كحلفاء موثوقين في الحرب ضد الإرهاب، وربما في رسم مناطق النفوذ والخرائط المستقبلية. لذا تتحسب أنقرة وطهران من رهانات أميركية وروسية وغربية وإسرائيلية على الورقة الكردية كعائق أو كحاجز أمام مصالح ومشاريع تركيا وإيران في الإقليم.

وما يزيد الخشية مراقبة خارطة الانتشار الكردي التي إذا ما تواصلت تهدد الحدود المرسومة في القـرن العشرين (سايكس – بيكو ولوزان وسيفر) وتجعل من عدة دول كيانات قيد الدرس.

تتواجد الجماعات الكردية في شمال وشرق سوريا في القامشلى والحسكة وعفرين، وصولا إلى ريف حلب والرقة، وهي تتبع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية المنخرطة أيديولوجيّا في منظومة حزب العمال الكردستاني ( بي كا كا) الأوجلانية التي تتخذ من جبال قنديل مقرا لقيادتها، وتنتشر من تركيا إلى داخل إقليم كردستان في العراق الذي يسيطر على غالبيته التيار البارازاني ممثلاً بالحزب الديمقراطي الكردستاني التاريخي الذي له أيضاً امتدادات في سوريا وإيران، لكن نفوذه يتراجع هناك مقابل صعود حزب الحياة الوثيق الصِّلة بالمنظومة الأوجلانية.

بعد إبعاد عبدالله أوجـلان مـن قبل النظام السوري في 1998 وسجنه مدى الحياة، تحوّل حزبه تدريجياً إلى منظومة على صعيد إقليمي وقامت بإعادة هيكلة نفسها عام 2002. وهكذا جرى تشكيل “ب ي د” في سوريا وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب (ي ب ك)، أما في العراق فالفرع هو “ب ج د ك” وفِي إيران يسمى الفرع “بيجاك”. وكل هذه المنظومة تتبع لقيادة ميدانية في جبال قنديل المحاذية للحدود العراقية الإيرانية والتي تبعد عن تركيا 90 كيلومترا.

في إطار إقليم مضطرب واحتدام العديد من الصراعات، تتوضح حيوية الأدوار الكردية: استفتاء كردستان في العراق والإسهام في ضرب داعش، والانخراط العسكري الواسع للجماعات الكردية في سوريا، وتمسك الأكراد في تركيا بخصوصيتهم ودورهـم السيـاسي بالـرغم من احتدام الصـراع مع الحكومـة المركـزية منذ 2014، وعودة الحراك العسكري والسياسي للأكراد في إيران.

ومن هنا تشكل هذه الجغرافيا السياسية المتبلورة للوجود الكردي في الشرق الأوسط حافزا لإعادة تجميع أنظمة سوريا والعراق وإيران وتركيا، أي الخصوم التاريخيين لأيّ تحقق كردي بالرغم من الخلافات بينهم.

ليس هناك من استغراب لتهديد رئيس الوزراء العـراقي حيدر العبادي أربيـل بالويل والثبور، وليس هناك من استهجان لتحذير أنقرة من حرب أهلية في العراق متناسية علاقتها مع مسعود البارزاني، وليس هناك من مفاجأة في التحرك الإيراني المتمثل بإمكانية التنسيق العسكري مع أنقـرة من أجل تطويق وتحطيم المشاريع الكردية.

جرى تسليط الأضواء منذ 15 أغسطس على آفاق التحالف التركي الإيراني المزمع ضد الأكراد على ضوء زيارة رئيس الأركان الإيراني إلى أنقرة وتسريع وتيرة التعاون بـين البلدين، حيث لم يستبعد الرئيس التركي قيام عمليات عسكرية مشتركة مع طهران ضد جماعات إرهابية بينها جماعات كردية تصنفها أنقرة على هذا الأساس. لكن الحـرس الثـوري الإيراني سرعان ما نفى ذلك.

وفِي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الحلف التركي الإيراني دونه عقبات جمة أبرزها رفض الولايات المتحدة الأميركية له مما سينعكس على صلة أنقرة بحلف الناتو وما أبعد من ذلك، وثانيها قلق موسكو من انعكاساته على الترتيبات الروسية والتنافس في موضوع أنابيب الغاز. وإذا سلمنا بأن البراغماتية والمصالح الاقتصادية الكبيرة تنسيان الطرفين التنافس التاريخي العثماني – الصفوي وحرب المحاور منذ 2012، نتساءل عن قبول أردوغان بالنظام السوري حليفا في المعركة المشتركة مع إيران ضد الأكراد.

بعيداً عن المماحكات والعنتريات في الطروحات وسيناريوهات العمل العسكري المشترك لخنق الحلم الكردي، يمكن القول إن هناك تصميما مشتركا على منع قيام كيان أو دولة كردية في شمال سوريا، ومنع تطبيق نتائج الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في العراق، حتى لو أدى الأمر إلى اللجوء للخيار العسكري الذي لا تعترض عليه حكومة بغداد.

حسب أوساط مطلعة في إسطنبول سيكون هدف أيّ عملية عسكرية مشتركة منع ربط التجمعات الكردية من الحدود التركية الإيرانية إلى سوريا لمنع تشكيل كيان كردي موحد. لكن مستقبل الوضع الكردي لا يرتبط فقط بالتنسيق الإقليمي مهما كان حجمه، بل له صلة بالسياسات الدولية وأبرزها السياسة الأميركية وبمصالح إقليمية أخرى. مما لا شك فيه أن الأكراد يشكلون اليوم رقما صعبا في المعادلات الإقليمية سيكون من الصعب حذفه أو تطويعه.
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس

اقرأ أيضاً بقلم د. خطار ابو ذياب (العرب اون لاين)

التجاذب الروسي – الأميركي من بحر آزوف إلى شرق الفرات

لبنان المسلوب إزاء المخاطر المتزايدة

نهاية رقصة التانغو بين ترامب وماكرون

أميركا والعالم بعد رسوخ الترامبية

الصين – إسرائيل: التكنولوجيا فوق الأيديولوجيا

الناتو- روسيا- الصين: مناورات استعراضية أم حرب باردة جديدة

رهانات إيمانويل ماكرون: أزمة في الداخل وانتكاسة في الخارج

الوسطية الماكرونية بين الإحباط الأوروبي والإرباك الدولي

مدلولات السباق الأميركي- الصيني إلى عسكرة الفضاء

التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية للمبارزة الأميركية – التركية

إيران: غليان داخلي وتصعيد أميركي وعجز أوروبي

التحول الإستراتيجي في القرن الأفريقي

حصاد قمة هلسنكي بين زهو بوتين وضجيج واشنطن

التجاذب الفرنسي – الإيطالي حول ليبيا

رهانات التسوية حول سوريا في قمة ترامب – بوتين

إيران أمام نقلة الشطرنج الروسي في سوريا

الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بعد ملحمة غزة

أوروبا وإيران: دبلوماسية ماكرون على المحك

سوريا/قمة أنقرة: ثلاثي أستانة والعقدة الكردية

غاز شرق المتوسط: صراع الموارد والنفوذ