حافظوا على شعرة معاوية في لبنان! / بقلم فؤاد طربيه

استطاع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من حكم الشّام لفترةٍ ناهزت الأربعين سنة، في وقت كانت الجزيرة العربية تموج بالاقتتال والفتن، وعندما سأله أعرابي عن سرّ بقائه بالحكم لفترةٍ طويلة على الرّغم من الفتن المحيطة، كان ردّ معاوية أنّ بينه وبين شعبه شعرة إذا شددتها أرخاها شعبي، وإذا أرخيتها شدّها شعبي، وما هذا القول إلا تعبيرٌ عن حالةٍ سياسيّة حيث يكون التّوافق بين الحاكم وشعبه توافقاً كبيراً بحيث يصبر كلّ طرفٍ على الآخر، وقد أصبحت تلك المقولة من مبادىء السّياسة الحكيمة…
أما بعد، تتقاطع كتابة هذه الأسطر مع عدم توافق بين بعض المكونات السياسية و الشعبية في لبنان مع ‘الحاكم’، أي مع السلطة التنفيذية المتمثّلة بالعهد وبحكومة إستعادة الثقة، تصل أحياناً الي درجة النفور والإمتعاض للاسباب المدرجة لاحقاً والتي أسفرت عن زعزعة العلاقة والثقة بين ‘الحاكم’ وتلك المكونات..
لا متسع كما لا ضرورة لتفصيل جميع الاسباب ذي الصِّلة، حيث أنها باتت ”أشهر من نار على علم”، وحرصاً على إلتزام الموضوعية لا بد من الإشارة بأن قسمٌ منها موروث من عهود سابقة ومن فترة الفراغ “المستطير”، الذي ارتضت تلك المكونات الممتعضة اليوم إنهائه بالشكل الذي تمّ حرصاً منها على الكيان اللبناني وخوفاً من النوايا التي كانت مبيّتة حينه حيال دولة لبنان. وأهمية إدراج الاسباب الموروثة، لكون السلطة التنفيذية قد سبق لها أن تبنت، بشكل او بآخر، حلّها منذ تلاوة خطاب القسم ومن بعده البيان الوزاري.
استمرار وتفاقم أزمة النفايات.
استمرار وتفاقم أزمة إزدحام السير.
تخلية سبيل مطلقي النار إبتهاجاً بنتائج الامتحانات تحت ضغوط سياسية.
عدم تطبيق منع إطلاق النار ابتهاجاً تزامناً مع إطلالات إعلامية لبعض الزعماء والأمناء العامين.
عدم إعطاء المرأة حقوقها من ناحية تمثيلها في مجلس الوزراء ولا من خلال قانون الانتخابات النيابية.
عدم إقرار حق المرأة بمنح الجنسية اللبنانية لأبنائها من آب غير لبناني.
تعنيف متظاهرين سلميين.
كبت حرية التعبير عن الرأي بالصحافة وبالتواصل الاجتماعي.
عدم الجدية بالتعاطي مع تحرير العسكريين المختطفين.
فرض ضرائب تطال الفئات الفقيرة والمتوسطة.
حجب بعض مستحقات قوى الأمن الداخلي ومخصصات فرع المعلومات.
تأليف الوفود لحضور المؤتمرات و القمم الخارجية مستثنيةً أحد المكونات اللبنانية.
التدخل بالقضاء وتنحية القاضي شكري صادر.
استئجار بواخر الكهرباء.
التغاضي عن مخالفات الاملاك البحرية.
إطلاق سراح قاتلي أفراد من القوى الأمنية في صفقة عرسال.
إستثناء مكوّن لبناني من المشاركة بالمجلس الاعلى للدفاع على الصعيدين الوزاري والعسكري.
كل ما ذكر آنفاً قابل للمعالجة “بالتي هي أحسن”، من خلال وضع خطط اصلاحية متقدمة ومن خلال النقاش والحوار وبتغليب المصلحة العامة والوطنية على المصالح الشخصية الضيقة.
أما خلال إنعقاد جلسة مجلس الوزراء بالامس، فقد حصل حدثان يمسّان بالمبادئ الاساسية لقيام التسوية التي أنتجت السلطة التنفيذية الحالية، أي الحفاظ على الدستور والعيش المشترك والاستمرار بمبدأ النأي بالنفس غير المطبق من قبل بعض الموقعين على إعلان بعبدا حيث ورد للمرة الأولى.

الأول تجلى بالمسّ بصلاحيات الوزير مروان حمادة الدستورية عبر تدخل ”وزير الحقائب مجتمعة” مسانداً موظفة خاضعة قانوناً لأمرة الوزير حمادة، وهي تعرقل العمل بإحدى الهبات الدولية، مما اضطر الأخير الخروج غاضباً من الجلسة قبل إنتهائها.

الحدث الثاني المستطير طغى على الاول من حيث خطورته ودلالاته، وهو إعلان وزيرا الصناعة والزراعة عن نيتهما زيارة العاصمة السورية بصفتهما الرسمية لحضور معرض دمشق الدولي بدعوة رسمية من وزارة الاقتصاد السورية، وما ترافق معه من لغط وتناقض بين تصريح وزير الاعلام، وهو الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء، وتصريح أحد الوزراء التي ستستضيفهم دمشق.
وقد تلى الاعلان عن الزيارة المزعومة مواقف معترضة معظمها بخجل، ما عدا تلك التي جاءت على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية ومنسق الأمانة العامة لقوى الرابع عشر، إستُلحقت ببعض الاعتراضات من قبل أعضاء في تيار المستقبل.. ثم بموقف متقدم لرئيس حكومة استعادة الثقة متحفظاً على الزيارة، إذ أكد على قرار مجلس الوزراء الناي بالنفس قائلاً ”ان اي زيارة الي سوريا لن تكون بقرار منه”…

لا يخفى على أحد أن تورط حزب الله في سوريا أكبر بكثير وأخطر بأشواط من زيارة وزيرين، وربما هم وغيرهم من الوزراء والنواب يقومون بزيارات دورية الي دمشق. لكن أسئلة عديدة تطرح نفسها حيال الإصرار على إضفاء طابع رسمي على الزيارة، لماذا هذا التوقيت بالذات؟

هل الهدف منها تعويم الرئيس السوري بشار الاسد على حساب علاقات لبنان مع الدول العربية والإقليمية والدولية التي مازالت رافضة شمول نظام الاسد في أية تسوية آتية؟

هل هو تعويض على النظام السوري بعد رفض الحكومة اللبنانية والجيش أي تنسيق مع الجيش السوري في إطار معركة جرود القاع المرتقبة؟

هل هي خطوة متقدمة لإلحاق لبنان بمحور الممانعة؟ أو أقله لإظهاره كذلك أمام المجتمع الدولي؟

هل من نية  في مكان ما بتوريط لبنان الرسمي والمصرفي بالعقوبات الاميركية والدولية القائمة و المرتقبة على حزب الله؟

أياً كانت الاجوبة، فلا أحد مخوّل بالحكم على النوايا، إنما الأكيد أنه على ‘الحاكم’ أن ينظر الي حدثّٓي الأمس بدرجة عالية من الجدية، ومعالجتهما من جذورهما حفاظاً على الدستور وعلى الإستقرار الداخلي وعلى شعرة معاوية…

(الانباء)