برنامج إيران الفضائي يستيقظ من سباته

لا يحمل إعلان فشل إطلاق حامل الأقمار الصناعية في 27 تموز/يوليو عزاءً كبيرًا إلى المراقبين الغربيين، بما أنه ينذر على الأرجح بمحاولات مستقبلية فضلًا عن احتمال اعتماد تكنولوجيات أكثر تطورًا.
بحسب تقرير إخباري يحمل تقييمًا أوليًا أجرته “القيادة الاستراتيجية الأمريكية”، فشلت محاولة إيران في وضع أول قمر صناعي عامل في المدار الفضائي في 27 تموز/يوليو مستخدمةً حامل الأقمار الصناعية “سيمرغ” فشلًا ذريعًا بعيد إطلاقه. وتُعتبر هذه المحاولة الاعتراف الإيراني الأول بإطلاق حامل الأقمار الصناعية الثقيل الذي يتم تشغيله من “مركز قاعدة الإمام الخميني الفضائية الوطنية” وهي قاعدة جديدة ذات منصة ثابتة تقع على بعد 220 كيلومترًا جنوب شرق طهران في محافظة سمنان.
لكن الواقع أنها لم تكن هذه محاولة إيران الأولى لإطلاق “سيمرغ” – وهو صاروخ كُشف النقاب عنه عام 2010 وسمّي تيمنًا بطائر أسطوري. وكانت المساعي الأولى جرت في نيسان/أبريل 2016، أيضًا من “مركز قاعدة الإمام الخميني الفضائية الوطنية”، إنما بقيت سرية ووصفتها مصادر الاستخبارات الأمريكية بأنها “حققت نجاحًا جزئيًا” رغم أن العملية لم تهدف إلى وضع القمر الصناعي في المدار. ومن ناحية أخرى، جاءت تعليقات المصادر الروسية مغايرة، إذ زعمت أنه كان اختبارًا ناجحًا دون مستوى المدار للصاروخ الجديد. والدليل على ذلك يتمثل في أنه في 15 آذار/مارس 2016، وضع منوشهر منطقي، وهو رئيس “المركز الوطني للفضاء” – الذي يعد جزءًا من شبكة محيرة من وكالات الفضاء – خطة سيصار بموجبها إلى القيام باختبارين من دون حمولات في ربيع وخريف عام 2016 قبل إطلاق المحاولة الأولى لوضع قمر صناعي عامل في المدار بواسطة صاروخ “سيمرغ” في شباط/فبراير 2017. وإن أخذنا تصريح المسؤول الإيراني بحكم الظرف والحال، نتوقّع تنفيذ المحاولة الأولى لإطلاق صاروخ “سيمرغ” العامل التي تأخرت أساسًا في غضون أشهر.
وقد أفاد المسؤولون الإيرانيون، رغم استنتاجات الاستخبارات الأمريكية، بأن عملية الإطلاق الأخيرة تكللت بالنجاح، ما يهيئ بوضوح الأرضية اللازمة لإرسال المزيد من صواريخ “سيمرغ” محملة بأقمار صناعية يصل وزنها إلى 250 كيلوغرامًا إلى الفضاء ووضعها في مدار قريب من الأرض يبعد 500 كيلومتر. وستمثّل حمولة بهذا الحجم زيادة بخمسة أضعاف عن حامل الأقمار الصناعية الإيراني من الجيل السابق “سفير” الذي سجل أربع محاولات ناجحة وعدة محاولات فاشلة. لكن استنادًا إلى منطقي، يمكن لجيل “سيمرغ” الحالي نقل حمولة يصل وزنها إلى 100 كيلوغرام إلى هذا المدار.
وعلى صعيدٍ أكثر تقنية، يتألف صاروخ “سيمرغ” من جزئين ويبلغ طوله 26 مترًا، بقدرة دفع تصل إلى 145 طنًا ووزن فعلي يبلغ 85 طنًا. وتشبه تركيبته حامل الأقمار الصناعية “أونها” الكوري الشمالي الذي سجل ثلاث محاولات فاشلة ومحاولتين ناجحتين منذ عام 2006، علمًا أنه تردد أن عملية الإطلاق الأخيرة كانت في 7 شباط/فبراير 2016. ويشمل الجزء الأول من “سيمرغ” أربعة محركات لصواريخ “شهاب-3” تعمل بالوقود السائل، في حين ضم صاروخ “سفير” محركًا وحدًا من هذا النوع. وحتمًا لا تزال تكنولوجيا المحركات العاملة بالوقود السائل في إيران تعتمد إلى حدّ كبير على تكنولوجيا قديمة تقوم على صواريخ سكود الروسية/ نودونج الكورية الشمالية.
يُذكر أن “مركز قاعدة الإمام الخميني الفضائية الوطنية”، وهي القاعدة الأولى ذات منصة ثابتة لإطلاق حاملات الأقمار الصناعية أُنجزت عام 2013 بعد بنائها على عجل. ونُقل أنه تمّ تصميمها وبناؤها بمساعدة أجنبية – من كوريا الشمالية ربما – وتتولى المجموعة الفضائية “سيران” Sairan التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية إدارتها. وفي بادئ الأمر، اختيرت بلدة تشابهار الواقعة على ساحل الخليج العماني باعتبارها الموقع الأنسب لإقامة القاعدة نظرًا إلى قربها من خط الاستواء، لكن في نهاية المطاف وقع الاختيار على منطقة سمنان العسكرية لأسباب “لوجستية”. وبالتالي، تقلص مسافة 1300 كيلومتر التي تفصل “مركز قاعدة الإمام الخميني الفضائية الوطنية” عن المياه الإيرانية الساحلية الأقرب احتمال تمكن السفن الأجنبية من انتشال أجزاء الصواريخ المتساقطة، لكنها تزيد في الوقت عينه خطر سقوط الحطام على مناطق مدنية.
الأبعاد العسكرية المحتملة
يضم حامل الأقمار الصناعية عددًا كبيرًا من التكنولوجيات الشائعة مع صواريخ بالستية عابرة للقارات. ويقدّر مهندسو الصواريخ أن يصل مدى صاروخ بالستي من نوع “سيمرغ” إلى 7500 كيلومتر وأن يصل وزن رأسه الحربي إلى 700 كيلوغرام. ولا يصل هذا الصاروخ إلى القارة الأمريكية لكنه يغطي أوروبا وآسيا بالكامل. وبفضل صواريخ “كاوشكار”، باتت إيران تتمتع أيضًا بخبرة في مجال المراكب العائدة الصاروخية.
وتنص قاعدة عامة في علم الصواريخ على أنه في حين توفر المحركات العاملة بالوقود الصلب قدرة دفع أكبر بتكلفة أقل، تُعتبر المحركات العاملة بالوقود السائل أكثر كفاءةً وتسمح بالسيطرة على المسار المختار بكامله بشكل أكبر. وقد أصبحت تكنولوجيا صواريخ الوقود الصلب المفضلة لدى الجمهورية الإسلامية بسبب ميزاتها – إلى جانب النجاحات التي حققتها كوريا الشمالية مؤخرًا في هذا المجال واحتمال ازدياد التعاون بين طهران وبيونغ يانغ. مع ذلك، ونظرًا لخبرة إيران في تطوير صاروخ “سيمرغ” ذي المحرك العامل بالوقود السائل، لا يمكن استبعاد احتمال مواصلة طهران اعتماد الوقود السائل كليًا في حال قررت تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات.
زخم القمر الصناعي
في الوقت الراهن، يبدو أن إيران تركز على استخدام صاروخ “سيمرغ” وربما “سفير” لإطلاق قمر صناعي واحد أو اثنين في المدار بحلول آذار/مارس 2018، إذ من المتوقّع أن تطلق قمرين أو ثلاثة أقمار خلال العام اللاحق. ويحمل القمر الصناعي الأول الذي من المفترض أن يرسله صاروخ “سيمرغ” إلى الفضاء اسم “طلوع-1″، وهو قمر صناعي تجريبي للاتصالات بميزة الاستشعار عن بعد وبوزن 100 كيلوغرام – علمًا أنه أثقل قمر تطلقه إيران لغاية تاريخه – كما أنه مجهز بكاميرا تجري مسحًا تصويريًا لسطح الأرض بدقة تبلغ 25 مترًا. وفي ظل المساعي النهائية لصنع قمر صناعي للاتصالات متزامن مع دوران الأرض (36 ألف كيلومتر) يُستخدم للتطبيقات المدنية والعسكرية على السواء، كانت وزارة الدفاع والجامعات الإيرانية تجهز عددًا من النماذج التجريبية للإطلاق. بيد أن هذا الهدف الطموح سيتطلب حاملات أقمار صناعية أقوى – على سبيل المثال “قائم” المعلن عنه – تتمتع بمراحل عليا متينة قادرة على نقل قمر صناعي إلى مداره النهائي الأعلى.
وفي عام 2016، كشفت إيران النقاب عن منظومة الإرسال الفضائيّة المدارية الأولى مع محرك للمرحلة العليا “سامان 1″، التي قيل إنها صُممت من أجل وضع قمر صناعي يزن 100 كليوغرام في مدار منخفض إهليليجي بقياس 400 × 700 كيلومتر. ومن شأن تحقيق نجاح في هذه الخطوة وفي أي عمليات مستقبلية لإدخال مداري متزامن مع دوران الأرض أن يشير إلى تحسينات في المناورات والدفع المداري وتحديد المواقع بدقة وحساب المسارات وكذلك موثوقية الأنظمة الفرعية في إيران. وستكون كل هذه الكفاءات مفيدة في حال اختارت الجمهورية الإسلامية تطوير مركبات عائدة للصواريخ العابرة للقارات.
وطوال سنوات، بدت إيران مصمّمة على تطوير أو اكتساب التكنولوجيات الضرورية لعمليات الأقمار الصناعية المتزامنة مع دوران الأرض. ففي شباط/فبراير 2017، على سبيل المثال، كشفت إيران النقاب عن القمر الصناعي التجريبي “ناهيد-1” بزنة 50 كيلوغرامًا من أجل اختبار اتصالات “كو-باند” في المدار والألواح الشمسية؛ على أن يتمّ إطلاق “ناهيد-2” لاحقًا الذي سيكون له ضعف وزن “ناهيد-1”. غير أن مواعيد إطلاق أي من القمرين لم تحدد بعد. وفي الآونة الأخيرة، أولى مسؤولون إيرانيون اهتمامًا أكبر للأقمار الصناعية الصغرى في مدارات أدنى، وقد يهدف ذلك إلى خفض التكاليف وتقليص وقت الإنجاز.
ورغم أن صاروخ “سيمرغ” الذي أُطلق مؤخرًا لم يحمل أي قمر صناعي إلى المدار، حسبما تردد، يتمحور السؤال الرئيسي حول ما قد تعنيه هذه القدرة – في حال وضعت في الخدمة بشكل كامل – في سياق أوسع. ومن شأن ظهور عوامل دعم أكثر قوة وموثوقية في المستقبل، وهو هدف ألمح إليه وزير الدفاع حسین دهقان عام 2016، أن يثير الشكوك بأن إيران تعتزم تحويل التكنولوجيات ذات الصلة نحو برامج عسكرية بحتة وحتى القدرة على تطوير صواريخ عابرة للقارات في نهاية المطاف.
وضع تطلعات تنظيم رحلات بشرية إلى الفضاء على طاولة البحث
خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد (من عام 2005 ولغاية عام 2013)، نظرت “وكالة الفضاء الإيرانية” في إرسال إنسان إلى الفضاء في مركبة مصممة خصيصًا لهذه الغاية – غير أن التكلفة الأولية المقدّرة بنحو 8.5 مليارات دولار، بما فيها تدريب رائد الفضاء في روسيا، أثنتها عن ذلك. فضلًا عن ذلك، تردّد أن التعديلات التنظيمية المتكررة أثارت الارتباك والإحباط في أوساط الكوادر الدنيا، ما أدّى إلى هجرة الأدمغة بحسب بعض المصادر.
غير أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، كشف المسؤولون في “وكالة الفضاء الإيرانية” عن وقف غير رسمي لمشروع الرحلات البشرية إلى الفضاء، عازين السبب إلى النقص في التمويل –  إلى جانب شروحات تنظيمية وفنية على الأرجح – وقرارهم في التركيز بدلًا من ذلك على مشاريع حاملات الأقمار الصناعية. ويُعتبر هذا التوقّف منطقيًا نظرًا للمهمة العسيرة المتمثلة بوضع مركبة فضائية مأهولة ضمن مدار قريب من الأرض، ناهيك عن ميزانية باهظة تتراوح بين 15 و20 مليار دولار.
وبصرف النظر عن التأرجحات بين الرحلات الفضائية المأهولة والتركيز على حاملات الأقمار الصناعية، إن كافة هذه الجوانب الرئيسية لبرنامج إيران الفضائي مرخصة ويقودها على المدى الطويل “المجلس الأعلى للفضاء” الذي يعمل تحت إدارة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ونتيجةً لذلك، لا يمكن لمثل هذه المبادرات أن “تتوقف” أو “تعطّل” ببساطة من جانب مسؤولين حكوميين بحدّ ذاتهم، رغم مزاعم وسائل الأعلام المتشددة بالعكس، ما لم يكن هؤلاء المسؤولون يرغبون في المخاطرة بإثارة غضب خامنئي. وتشير التصريحات الرسمية الأخيرة المنشورة في 28 تموز/يوليو إلى أن خامنئي أمر بوقف مساعي الرئيس حسن روحاني الرامية إلى إبطال مركزية “وكالة الفضاء الإيرانية” التي كانت تخضع لسيطرة الرئيس المباشرة في عهد أحمدي نجاد.
ويمكن الرجوع بشكل إضافي إلى عهد أحمدي نجاد بالتزامن مع أي نجاح مستمر لصاروخ “سيمرغ”، أو توافر المزيد من الأموال. وبشكل خاص، في 8 كانون الثاني/يناير 2013، نشرت حكومة أحمدي نجاد “خارطة طريق لغاية 2025” استراتيجية رسمية، قيل إنها مؤلفة من 40 ألف صفحة. ولم يُنشَر منها إلا 14 صفحة تصوّر تصميم وإطلاق حاملات أقمار صناعية وأقمار صناعية، بما فيها أقمار صناعية تلتقط صورًا للأرض مشغلة عسكريًا. ودعا المستند نفسه إلى ردع فعال للصواريخ.
ورهن بالتمويل والقدرة على الإطلاق، يمكن بروز أقمار صناعية أكبر حتى من تلك البالغ وزنها 250 كيلوغرامًا (حوالي الوزن الأقصى الذي يمكن أن يحمله صاروخ “سيمرغ-2” المتوقّع) على المدى الأطول. غير أن التطور الأبرز في هذا المجال ربما يتمثل بالدخول المباشر – أو الاستحواذ – على برامج إيران لتصميم وإطلاق الأقمار الصناعية من قبل “فيلق الحرس الثوري الإسلامي”، وهي فكرة ألمح إليها مؤخرًا أحد قادة الحرس الثوري. ومن شأن هذا الأمر أن يمثّل انعكاسًا تامًا لبرنامج إيران الفضائي المدني، أقلّه ظاهريًا.
الخاتمة
بفضل الإطلاق الأخير هذا، خرج برنامج إيران الفضائي من سبات دام ثلاث سنوات أطلقه في بادئ الأمر الرئيس روحاني ولكنه ربما يكون ناتجًا أيضًا عن قيود فنية ومالية. ويمكن توقّع إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية والصواريخ في المستقبل القريب، ما قد يجدد المخاوف على الأرجح بشأن طبيعة برامج إيران الخاصة بالصواريخ وحاملات الأقمار الصناعية. ويثير هذا السيناريو القلق بشكل خاص لدى التفكير في تقييمات مفادها أن أحد مشتقات الصواريخ البالتسية لـ”سيمرغ” قد يحقق مسارًا عابرًا للقارات. وتصرّ إيران على أن برنامجها الفضائي المشغل عسكريًا في الأصل هو لأغراض سلمية فقط وأن صواريخها البالستية هي للردع التقليدي على بعد لا يتجاوز ألفي كيلومتر. غير أن هذه التصريحات والقيود الفنية في إيران، ومجرد احتمال تحويل المهارة من برنامج حاملات الأقمار الصناعية إلى برنامج الصواريخ العابرة للقارات، تقضّ مضجع عددٍ كبير من العواصم الغربية. كما أن التعاون الوطيد السابق بين طهران وبيونغ يانغ سيعزّز هذا الخوف.

(*) معهد واشنطن