زواج القاصرات.. كل جازة جنازة!

بين سندان الأحوال الشخصية الطائفية وقانون العقوبات المجحف بحقّها، ومطرقة العقلية الذكورية السائدة والمسيطرة، تبقى المرأة اللبنانية “كبش المحرقة” لجهة غياب  القوانين التي ترعى شؤونها  وتنظّم حياتها.

وعندما يتعلّق الأمر بزواج القاصرات (من هنّ دون 18 عاماً)، يتّضح أن المرأة ليست مجرّد ضحيّة فحسب – حيث يشكّل زواجها المبكر انتهاكاً لحقوقها الإنسانية وأولها  حقّها باستكمال تحصيلها الدراسي  وبنيل فرصها من التعلّم واكتساب المهارات المهنية والحياتية، ناهيك عن تعرّضها لمخاطر الحمل والإنجاب والأمومة المبكرة قبل أن تكون جاهزة بدنياً ونفسياً، بالإضافة إلى الواقع الأخطر وهو زيادة خطر تعرّضها للعنف الجنسي من قبل الشريك –  بل  ان المرأة بزواجها المبكر قد تصبح “كارثة” على عائلتها ومجتمعها بصورة عامة، خصوصاً أن زواجها المبكّر (دون سنّ 18) يفاقم الكثير من المشكلات في بيئتها ومجتمعها، صحياً ونفسياً واجتماعياً واقتصادياً!

هذا الواقع أضاء عليه تقريرٌ جديد للبنك الدولي والمركز الدولي لبحوث المرأة، أفاد بأنّ البلدان النامية ستخسر تريليونات الدولارات بحلول عام 2030 بسبب زواج الأطفال.  وكشف التقرير الذي  يتناول الآثار الاقتصادية لزواج القاصرات على الخصوبة والتعليم والتوظيف والصحة، أنّ التصدي لزواج القاصرات ستكون له آثار إيجابية كبيرة على التحصيل العلمي للفتيات وأطفالهن في المستقبل، كما أنه يُسهم في إنجاب المرأة عدداً أقل من الأطفال، ويزيد  دخلها المتوقع ومستوى رفاه أسرتها”. ولفت التقرير إلى أن “زواج الأطفال لا يضع نهاية لآمال البنت وأحلامها فحسب، بل يعوق أيضا الجهود الرامية للقضاء على الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي”!

IMG-20170711-WA0025

وعليه، فإن منع زواج القاصرات من خلال تحديد الحد الأدنى لسن الزواج بـ 18 عاماً هو عين الصواب الذي تقتضيه موجبات حماية البنات من العنف والإستغلال من جهة، وهو  أيضا الصواب الذي ينبغي  القيام به من المنظور الاقتصادي.

وبالنظر إلى الأرقام والدراسات، يتبيّن أن زواج القاصرات انحسر في الكثير من البلدان مؤخّراً، غير أنه ما زال موجوداً بكثرة في البلدان النامية. وإذ تؤكّد تقديرات  موثوقة أن “كل يوم تتزوّج أكثر من 41 ألف بنت حول العالم قبل بلوغ الـ188 من العمر”، توضح منظمة الطفولة يونيسف أنّ “حوالى 700 مليون امرأة حول العالم تزوّجن قبل إتمام عمر الـ18 عاماً، مع الإشارة إلى أنّ هذا الزواج يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الدول التي تعاني من الصراعات والنزاعات، مثل سوريا والعراق واليمن”!

IMG-20170711-WA0023

وفي لبنان ما زال زواج القاصرات موجوداً بكثرة، وإن بصورة نسبية عشوائياً حسب الطوائف واختلاف الذهنية الإجتماعية بين منطقة وأخرى وطائفة وأخرى. وبغياب قانون مدني  للأحوال  الشخصية ينصفها ويساوي بينها وبين أخواتها في المواطنة من حيث الحقوق والواجبات، تبقى المرأة اللبنانية ضحية الزواج المبكّر، دون أن تعي مخاطره عليها وعلى أسرتها في المستقبل، وعلى الوطن برمّته على المدى البعيد.

منظمة “كفى عنف واستغلال” سلّطت الضوء على هذه القضية من خلال إطلاق حملتها الجديدة بعنوان “جازة أو جنازة” كجزء من حملتها المستمرّة لمكافحة تزويج القاصرات، ولإعادة  تسليط الضوء  على قانونية هذا التزويج في لبنان والآثار السلبية المترتبة عنه، فذكّرت مجلس النواب بضرورة إقرار قانون مدني يحدّد عمر 18 سنة السن الأدنى للزواج، وأيضًا بعدم تكريس تزويج القاصرات في قانون العقوبات.

ولفتت مديرة “كفى” زويا روحانا إلى التعديل الذي أجرته لجنة الإدارة والعدل على المواد المتعلّقة “بالاعتداء على العرض”، أي المواد 503 – 522 من قانون العقوبات،  بحيث أبقت اللجنة على المادة 5033 كما هي، أي السماح للزوج باغتصاب زوجته، وألغت المادة 522 بحيث أخرجتها من الباب ولكنّها أعادتها من نافذة المادّتين 505 و 518. فبحجّة “السترة والعادات العشائرية”، لا تزال المادة 505 تعفي من العقاب من جامع قاصرًا ما بين سنّ الـ15والـ188 إذا تزوّج من الضحية. كذلك، يُعفى من العقاب من أغوى فتاة بغضّ النظر عن عمرها بوعد الزواج منها وفضَّ بكارتها، إذا تزوّج منها.

وتوجهت إلى مجلس النواب بقولها: “من خلال حملتنا “جازة أو جنازة” نقول إحموا القاصرات من التزويج المبكر عبر إلغاء مفاعيل المادّة 522 بالكامل ومن دون استثناء المادتين 505 و5188، وارفعوا  أيدي الطوائف عن أحوالنا الشخصية وأقرّوا السنّ الأدنى للزواج بـ 18 سنة.

ختاماً، فإن القانون المدني للأحوال الشخصية يبقى الحل الأول والأخير لمعاناة المواطن اللبناني بصورة عامة والمرأة بشكل خاص، وهو مطلب قديم متجدّد للحزب التقدمي  الإشتراكي ومادة نضال تاريخية  مشرّفة لـ “الإتّحاد النسائي التقدّمي”، فهل يعي المسؤولون أهميّته ويكسرون القيد الطائفي لما فيه خير الوطن والمواطن، دون أن يعني ذلك المساس بحق المواطن في ممارسة شعائره الدينية بحرية مطلقة؟ أم أن الحكم بالجهل والظلم سيبقى نافذاًبحقّنا كلبنانيات ولبنانيين.. إلى أبد الآبدين؟!

(*) غنوة غازي – “الأنباء”