من المغارة… الى المسجد

في الوقت الذي ينشغل العرب بهمومهم نتيجة صراعاتهم الداخلية، ونجاح السياسة الاميركية – الاسرائيلية بتحويل انظار المسلمين عن قضاياهم الاساسية، ومنها احدى قبلتيهما القدس وتحديداً المسجد الاقصى، يسارع الاحتلال الاسرائيلي وبالتوازي مع اغتصاب الأراضي الفلسطينية وتهجير غالبية الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه، وتحقيق المخطط الاستيطاني المستمر منذ عقود بهدف السيطرة الكاملة على مدينة القدس، بضمها اخيراً مستوطنة معاليه أدوميم التي يقطنها حوالي 20 ألف نسمة، كمستوطنة رئيسية من الشرق، إضافة إلى المستوطنات العسكرية الصغيرة. تعمد اسرائيل الآن إلى محاولات طمس كل أثر يدل على الهوية العربية للبلاد وعلى ارتباط شعب فلسطين بها، وهذا ايضا احد اهداف المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة لتهويد أسماء المعالم الجغرافية الفلسطينية.

وفي هذا السياق، أُعلن الخميس ان طواقم تابعة لبلدية الاحتلال في القدس ستحتفل قريبا باطلاق اسم جديد لشارع “الصديق الياهو” بدلا من شارع “السلطان سليمان”، ومغارة الصديق الياهو بدلا من مغارة سليمان، في المنطقة التي تقع بين بابي العامود والساهرة، من بوابات البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، كما وانها واستقدمت حفارة صغيرة داخل مغارة سليمان دون معرفة أهدافها الحقيقية. وسبقت هذه الخطوة قيام البلدية بضرب سياج حديدي حول المنطقة وإزالة العديد من معالم المنطقة بهدف إنشاء حدائق تلمودية ملاصقة لسور القدس، بالإضافة إلى تغيير اسم المنطقة من تسميات عربية إسلامية إلى أسماء تلمودية في إطار تهويد المدينة التي تُعتبر مقدّسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية، الإسلام. وهي أعدّت بهذا الخصوص أطالس وموسوعات إسرائيلية تضمنت تسميات عبرية لغالبية معالم البلاد.

مغارة السلطان سليمان في القدس

أما لماذا سُميّ الشارع باسم السلطان العثماني سليمان القانوني (1520-1588)، فلأنه يرجع اليه الفضل في تسوير البلدة القديمة على شكلها الحالي، وهو يربط طريق أريحا (شرق المدينة) بطريق (غربها)، والذي يلتقي به في نقطة تقع بين باب العامود وباب الجديد.
كذلك سُميت المغارة الأثرية باسمه تكريما، وهي تقع أسفل البلدة القديمة في القدس، وتمتد لمسافة 200 مترا تحت سور المدينة بين باب العمود وباب الساهرة. ويحيط الكثير من الغموض حول تاريخ هذه المغارة، التي تبلغ مساحتها 9000 مترا مربعا. ويبلغ ارتفاعها 50 مترا. والمرجح أن المغارة هي كهف طبيعي تحت الأرض، حُولت إلى محجر في العهد الروماني.
والسؤال المطروح الى اين ستصل سياسة التهويد وازالة المعالم التاريخية الاسلامية والعربية؟! وهل ممكن ان تطال بعد فترة المسجد الاقصى الذي يتعرض لشتّى الانتهاكات من قبل الاحتلال، او كنيسة القيامة التي تعتبر أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم المسيحي؟! وهل صحيحاً ان الاتفاقات الاميريكية -العربية- ليس الاخيرة فحسب لحظت تحويل الانظار لانجاز تطبيق المخطط الاسرائيلي كاملا والذي انطلق اساسا منذ عام 1926 بهذا الخصوص؟!
إن ما يجري على ارض فلسطين من مصادرة للأراضي، وتطويق التجمعات السكنية الفلسطينية وإزالة بعضها الآخر، وإبقاء فلسطيني القدس وضواحيها في حالة خوف دائمة، من خلال الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح، وعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وفصل المناطق، وقطع التواصل الجغرافي، وتشويه النمط العمراني للقدس العتيقة والقرى الفلسطينية المحيطة. والى جانب ازالة المعالم الاساسية واستبدال الاسماء الاسلامية والعربية بأخرى تلمودية انما تؤشر الى ما هو اخطر، ألا وهو المسجد الاقصى حيث سعي اليهود الحثيث الى تحقيق الحلم بهدم المسجد وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، واذ ذاك ستسقط كل اوهام التضامن العربي والاسلامي، او اقامة الدولتين، او المناداة بالسلام…
(*) عامر زين الدين- “الأنباء”