انتحر… انتحرا… انتحروا… والخليوي ينتظر على الرصيف!

محمود الاحمدية

“اليأس هو انتحار القلب – والانتحار لا يليق بكبار النفوس” (ريختر).

ثلاث حالات انتحار خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع تركوا الوطن يتساءل: أين المصير؟ شباب بعمر الورد يقدمون على خطوة أقل ما يقال فيها: إرادة الموت والرحيل عن سابق عمد وإصرار…!! هُمُ رحلوا ولكن اللوعة والألم والعذاب والقهر وجلد الذات سيسكنون ولمدة طويلة في داخل البيوت ويعبرون قلوب الأهل تنفجر العيون براكين دموع… وفي أحد هذه المآثم وقرية الراحل المنتحر تطل من شاهق على الوديان والهضاب والجبال وكان صوت الأم يلعلع عالياً “يا ولدي”، “يا غبن قلبي عالشباب”، “سلّملي على بَيّكْ” “كسرت ضلوعي وحرقت قلبي”… والصدى وبطريقة مهيبة ومرعبة تردده كل المسافات… وكل حاضر يشعر كأن قطعة من كبده قد فقدت…

والأصعب بما لا يقاس على الأهل عندما يصرّ بعض رجال الدين على عدم الصلاة على الراحل لأنه انتحر وكأنهم يقاصصون الأهل، الأم والوالد، الأخوة والأخوات، الذين لا ذنب لهم في فعلة الفقيد العزيز على قلوبهم!!

ومراجعة عقلانية للسبب الرئيسي الذي أوصل الراحلين الثلاثة وكلٌّ لا علاقة لأحدهم بالآخر ولكن السبب واحد وهو هذه الآلة الصغيرة حجمها بحجم الكف المنبسطة جهاز الخليوي هذا الجهاز الذي حوّل العالم أجمع إلى قرية صغيرة وقرب مسافات الكرة الأرضية حيث تستطيع أن تتحدث إلى ولاية ألاسْكا المحيط المتجمد الشمالي في عدة ثوانٍ وترى الذي تتكلم معه، وتستطيع أن ترى كل تفاصيل الدنيا من جيد وعاطل وتستطيع أن توسع مخيلتك إلى درجة الوصول وعبر Google وترتيب كلمات المعلومة حتى ينفتح أمامك عالم جديد ينقلك عشرات الألوف من الكيلومترات وأنت في مكانك لم تتحرك في معجزة الألفية الثالثة وكأنك في عالم الخيال…

الانتحار1

ومصيبة المصائب أنك تستطيع من خلاله أن تؤسس لصداقات مع الجنس الآخر وتتحول إلى مفصل أساسي في عملية حسابية بسيطة: إما أن ترتقي بالعلاقات وترتقي بأخذ المعلومات فتشعر بعظمة العلم والعلاقات الرائعة وأما أن تنسفل إلى وديان سحيقة من العلاقات البوهيمية التي تصل إلى حد التعري على الـ Scape والتعمق في الحوارات إلى درجة لا قرار لها وإلى مستنقع لا أخلاقي من الممكن أن يعرضك إلى أخطار الابتزاز بالفضح والتهديد بالصور وبالحوارات الملتهبة الحمراء…

ولن أطيل كثيراً وأسترسل لأنه موضوع لا يكفيه مقالة واحدة ولكن العمل المشترك للانتحار كان هذا الابتزاز الرخيص ولن أزيد!

كلمة من القلب والعقل والوجدان إلى الشباب العربي بشكل عام والشباب اللبناني بشكل خاص: إياكم واللعب بالنار عند استعمالكم الهاتف الخليوي، فإما أن يتحول إلى قنبلة موقوتة بين أيديكم تنفجر في أي لحظة عبر ما تكلمنا عنه آنفاً، وإما أن تجدوا أنفسكم في محيط رائع من المعلومات والثقافة والتواصل مع العالم أجمع إذا أحسنتم استعماله!

وكلمتي للأهل وبعيداً عن التنظير، المؤسف والمؤلم أنه لا وسيلة ناجعة لكبح جماح أبنائهم وبناتهم لأن الجهاز الصغير غير قابل للمراقبة والمراقبة للجيل الحالي هي وكأنك تشتري عداء أبنائك… ليس هناك أي نصيحة عملانية على أرض الواقع إلا أخذ الأمور بالطواعية والمناقشة الهادئة وإعطاء العبر والأمثلة والنماذج عبر الذين رحلوا عن هذه الدنيا نتيجة الاستعمال الخاطئ…

وكم هو رائع إذا توصلتا كأهل أن نقنع أبناءنا باستعمال جزءاً من أوقاتهم في ممارسة هواية محببة إلى أنفسهم من جميع الهوايات وخاصة الرياضية منها، فهي لحظات في منتهى الأهمية لأنها تبقي العلاقة بين الجيل الجديد والخليوي أقل حميمية وأسمى من خلال الروح العالية والتوجه الإيجابي… ثلاثة شباب بعمر الورد فقدناهم والانتحار صفة رحيلهم… لعلنا في هذه المقالة أضأنا شمعة في ليل هذا الوطن…

  • رئيس جمعية طبيعة بلا حدود
  • عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين في بيروت

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة