البديل عن الكوتا: دور الأحزاب في مشاركة المرأة السياسية

تاله القاضي

ولد القانون الإنتخابي أخيراً من رحم التمديد والإختلاف والمزايدات لينقذنا في اللحظة الأخيرة من الفراغ ويوقعنا في خيبات لا تعد ولا تحصى. ففيما كنا بإنتظار قانون إنتخابي عصري يراعي الإختلاف ويؤمن تمثيلاً شاملاً لا يهمش أحداً، انتهى بنا الأمر بقانون طائفي يُوزع المقاعد وفق حسابات معقدة لا يفهمها الا الساعي وراء المقاعد والأرقام دون الإكتراث الى فئات المجتمع وصحة تمثيلهم كالشباب والنساء إذ أنه لم يتم تخفيض سن الإقتراع ولا إقرار الكوتا النسائية التي وُعدنا بها سدى.

يجوز أن يكون مطبخ القانون الإنتخابي قد استثنى الكوتا النسائية لأسباب سياسية أو لفروقات بسيطة بالأرقام يُفضل أن لا يُراهن عليها ولكن المؤكد هو أن الكثير من الأحزاب وعدت بالكوتا ولم توفي بوعدها. على هذه الإنتخابات إذاً أن تُشكل فرصة ذهبية للأحزاب الجديّة في نواياها بإشراك المرأة في الحياة السياسية لكي تلعب دوراً أساسياً في الإستثمار بالطاقات النسائية وأخذ خطوات جدية من أجل إيصالها الى المجلس التشريعي.

170214195728n6mp

في الآونة الأخيرة انطلقت الكثير من الحملات المطالبة بالكوتا النسائية ومشاركة النساء في الحياة السياسية لكن على ما يبدو سوف يُقر القانون المقترح الذي لا يضم أي حديث عن الكوتا بل أحاديث عن كوتا من نوع آخر فحسب.

الجدير بالذكر هو أن عدم وجود الكوتا ليس حظراً ذكورياً ولهذا يبقى للأحزاب دور أساسي في إيصال النساء الى البرلمان. في وقت يشكل الحفاظ على التوازن الطائفي وإكساب الطوائف أكبر عدد من المقاعد الهم الوحيد لمعظم الأحزاب، يأتي دور الأحزاب العابرة للطوائف في تحديد أولويات أخرى مثل التمثيل الجندري العادل أو مثلاً ترشيح عدد من الشباب والشابات على لوائحهم. وهنا سيكون الغربال الذي يحدد من هي الأحزاب الطائفية ومن هي الأحزاب ذات أولويات أخرى مثل التمثيل الشبابي والنسائي أو تمثيل ذوي الإحتياجات الخاصة. بدأت الأحزاب اليسارية في أوروبا العمل على التمثيل الواسع من خلال لوائح إنتخابية تضم الأقليات وأصحاب الإحتياجات الخاصة والشباب والأعراق المهمشة من دون إنتظار كوتا تفرض هذه المواضيع خاصةً وأن موضوع التمثيل الشامل هو في صلب مبادئها.

لذا من المتوقع أن تأخذ الأحزاب التقدمية وغير التقليدية الساعية الى التجديد، الخطوة الأولى نحو التمثيل الشامل وذلك من خلال طرح أسماء نسائية للإنتخابات القادمة. والأمثلة العالمية خير دليل على أنهم لا يحتاجون الى كوتا لتغيير نسب التمثيل فللأحزاب دوراً مهماً في هذا الخصوص لأنها لطالما تمكنت من تغيير عقلية الناس من خلال الـتأثير السياسي الإيجابي.

انتخابات نيابية

إذاً من المفترض أن تأخذ هذه الأحزاب الخطوات قبل الإنتخابات المقبلة من أجل محاربة خيبات القانون الإنتخابي الجديد. أولاً على الأحزاب تركيز خطواتها الأولى على بيوتها الداخلية بحيث يكمن واجبهم بتشجيع الحزبيات على تقديم ترشيحهن حتى ولو تطلب ذلك أعطاءهن الأولولية للترشح بحال هناك بعض الراغبات بذلك. قبل خوض المعركة الإنتخابية، على الأحزاب اللبنانية وضع الملفات المتعلقة بالحقوق المدنية والإجتماعية والسياسية للمرأة في أولويات برامجهم الإنتخابية من دون المساومة عليها في التحالفات.

ثانياً المشاركة السياسية للمرأة لا تقتصر فقط على الإنتخابات النيابية وغيرها بل تتضمن أيضاً عمل النساء داخل الأحزاب ولذلك علىهم أن يبدأو ببناء قدرات النساء داخل الحزب وإعطائهن الأدوار القيادية اضافة إلى البدء بالنقاشات الداخلية حول مشاركتهن في الحياة السياسية. تعزيز دور المرأة في العمل الحزبي الداخلي يزيد نسبة نجاجها في خوض إنتخابات مقبلة كما وتوليها لمناصب قيادية في البلد. من جهة أخرى، على الحملات والجمعيات دعم هذا النشاط من خلال حملات مناصرة موجهة لتهيئ البيئة وتشجيع الجمهور على تقبل الفكرة أكثر واكثر والمطالبة بها.

الانتخابات

في نهاية المطاف، من وقف على المنابر ووعد المرأة بتمثيل في المجلس النيابي، يفترض منه أن يطرح أسماء نسائية من الموارد البشرية الحزبية وأن يثبت للجمهور أن تلك الوعود لم تكن كاذبة. على الأحزاب أن تغير وجهة النظر وتقلب المقاييس في الإنتخابات المقبلة بحيث نخرج من التقاليد والنواب التقليدين. الشعب بحاجة الى أسماء جديدة والى نساء قائدات بعيداً عن الروابط العائلية. حان الوقت الذي تؤدي الأحزاب فيه دورها تجاه المساواة الإجتماعية وتعزيرها من خلال مشاركة المرأة في الحياة السياسية والإعتراف الحقيقي بأن النساء شريكات حقيقيات في الوطن.

التمييز الإيجابي ليس أبداً ما نطالب به فالكفاءة ووجود الأشخاص المناسبين في أمكانهم هو الهدف الأساسي ولكن لكي يكونوا أشخاصاً مناسبين لا بد من وجود تمثيل شامل يعبر حقيقةً عن شرائح المجتمع وليس فقط من خلال توزيع المقاعد على الطوائف.

(الأنباء)