بسمة أمل!

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

وهو يرحب بي في عالمه المزدحم بالحب، خُيّل لي أن ربيع صاحب الإحتياجات الإضافيّة، يودّ أن يأكد لي أن تركيبته البيلوجية غير الناضجة، لا تلغي وجوده؛ خُيّل لي أن روحه لعبت دور لسانه العاجز عن النطق وأنقذت الموقف لتبرهن للغرباء أن خلف هذا الجسد الضعيف، إنسان بمشاعر وأحاسيس،  يرحبّ بقدومي، وينظر إلي آملاً أن أتقبله فيكسب صديقاً  جديداً وأكتسب أنا شرف التأقلم مع صاحب الإحتياجات الإضافية في وقتٍ أقفل المجتمع أمامه معظم أبواب الاندماج والتكيّف.

بعد زيارة قصيرة لمؤسسة تعنى بإحتضان ذوي الصعوبات والإحتياجات الخاصة، أنبت اللقاء الخاطف في قلبي حاجة ماسة بضرورة العودة والتفاعل مع أصحاب القلوب البيضاء والوجوه الفاتنة.

فبالله علينا جميعاً، من أين أتينا بالمنطق الذي يصف صاحب الإعاقة بالمريض؟ أي كتابٍ سماوي هذا الذي حتّم علينا الخروج من جلسة فيها معوق؟ من قال لنا جميعاً أن أولئك البشر مرعبون فبات ضرورياً أن نتجنبّ مجالستهم وكأنهم يعانون من مرضٍ مزمنٍ معدٍ؟ هل صاحب الإحتياجات الخاصة هو القبيح؟ أم أصحاب التكوين البيولوجي الكامل؟

نحن بنعمة الله الكاملة علينا، ننجح في ترتيب الأمور والتملص من الواجبات وحتى الإحتيال على المجتمع بهدف التكيّف معه والوصول الى مبتغانا. حتى الطفل صاحب الأنامل الناعمة، قليلة سنوات نعومته. فما إن يكبر، يكتسب فنون الدهاء والقوة. فنحن بإستطاعتنا أن نراقب ونحاسب وما وفّرنا يوماً تكتيكات التلاعب على واقعنا. أما أصحاب الإعاقات البيولوجية- الجسدية والتأخر العقلي، فهم صفحة بيضاء. يحبون دون مقابل، يفرحون بلفتةٍ صغيرة، يدركون تقلباتنا ويتمنَّوْن قبولنا لهم في مجتمعٍ هم أسياد الصفاء فيه.

ها هي ساعة الصفر قد أتى معادها. يجب علينا أن نكفّ عن التهرب من الإحتكاك مع المعوقين. أن نسعى لنعمةٍ تكوينية كاملة لا يكفي، أن نبتعد عن ذوي الإعاقات جرم إنساني إجتماعي فادح. فنحن في هذا السياق نتعامل مع فئة تشكل حوالي 10 بالمئة من سكان لبنان، وبحسب احصاءات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، إن نسبة العاطلين عن العمل من الأشخاص المعوقين تصل إلى 74 بالمئة فالحجر اللبناني بهندسة شوارعه تماماً كما البشر، يروّج لثقافة نبذ المعوق وتهميشه.

من هنا، لا يسعني إلا أن أطلب من جميع القراء، تعويد أنفسهم على التواصل مع ذوي الإحتياجات الاضافية. لننخرط جميعاً بالعمل الإجتماعي الرائد والهادف الذي تقوم به عدّة مؤسسات لبنانية هادفة للاهتمام بالمعوق ودمجه. فقط عند كسر الجليد الكامن بيننا وبين المعوق، نصل إلى مجتمع يحترم الضعفاء فيه.

فعند نشر ثقافة التكيّف مع المعوق، نرى نظاماً تعليمي يحترم المعوقين، نرى مهندسين يعبدون الطرقات للمعوق المنخرط في المجتمع، كما ونرى أرباب عمل يقدرون المعوق ويرحبون بقدراته. فالثغرة الأساس، تكمن بمحو الحدود الضيقة للتكيف والإندماج.

جميلة هي الذات التي تتفوق على نفسها، فتتفاجئ يا أيها الانسان عندما تعبر بشخصيتك الحدود التي رسمتها أنت لنفسك وجزمت ذات يوم، أنّك لن تتخطاها أو تحتال عليها.

فالذات الانسانية في مكانٍ ما، تنكبّ عليها الأنماط السلوكية المتداولة فتُرسم حدود باطلة تفرض عليك السير مع القافلة فترتعب إن غامرت وخرجت عن المألوف، ولكن ماهي الا ثوان قليلة حتى تكتشف أنّه بإستطاعتك كسر النمط، وتذويب الحدود، فتتأقلم خارج سراب الحمام وتندمج مع طبقة الحاجات الإضافية وتسمح لنفسك بالإرتقاء في سلم التفاعل الانساني الإجتماعي الذي ينادينا أجمعين…

(*) مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في منظمة الشباب التقدمي-مكتب الغرب،خلية بيصور .

(أنباء الشباب، الأنباء)