على هامش قمة الرياض فلسفة الاستنـزاف العربي أميركياً

د. قصي الحسين

استقبلت المملكة العربيّة السعودية يوم الأحد 21/5/2017 الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما يشبه افتتاح جولاته الخارجية، وذلك من خلال: 1- عقد لقاء قمة جمعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في الرياض تحت عنوان “العزم يجمعنا” 2- حضور قمة ثانية مع قادة دول الخليج العربيّ. 3- وحضور قمة ثالثة مع 37 رئيس دولة و6 رؤساء حكومات من دول وحكومات عربية واسلامية.

ودعتهم الرياض باستثناء ايران وسورية، في الوقت التي كانت تجري في إيران الانتخابات الرئاسية التي تستفتى على “السياسة المعتدلة” كما أُعلن، والتي انتهجها الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، وفي الوقت عينه، حيث كانت تختتم الجولة السادسة من مفاوضات جنيف، من دون ظهور مؤشرات إلى حصول ولو اختراق واحد بين الأطراف السورية.

وانتهى الأمر في جنيف بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إلى ترحيل السلال الأربعة إلى الجولات المقبلة وهي: الدستور والانتخابات وشكل الحكم والإرهاب. ولو أن ماتيس كان يعلن أن “داعش” انتهى و”دولة الخلافة” إلى تلاشي، وذلك على وقع تداعيات ضربة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لقاعدة “التنف” المعارضة.

هذه القاعدة تسيطر عليها فصائل من المعارضة السورية عند مثلث الحدود السورية – الاردنية – العراقية. وأعلنت الولايات المتحدة أنها لا تعتزم توسيع دورها في الحرب السورية، لكنها ستدافع عن قواتها عند الضرورة، مما جعل دمشق/ النظام تصف الضربة الأميركية بأنه هجوم ارهابي حكوماتي. أما روسيا، الحليف الاستراتيجي لدمشق، فقد حذرت من تداعيات ذلك سياسياً، وأنه يمثل انتهاكاً غير مقبول للسيادة السورية.

ووسط أجواء الحفاوة، كانت أعمال القمة السعودية – الأميركية تؤكد الاستراتيجية المشتركة للبلدين من خلال توقيع أكثر من 30 اتفاقاً ومذكرة تفاهم في المجالات العسكرية والاقتصادية. وبلغت القيمة الاجمالية للاتفاقات والفرص الاستثمارية نحواً من 380 بليون دولار، كما قال وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، من شأنها أن تعزز نقل المعرفة وتوطين التقنية وبناء استثمارات وصناعات واعدة.

وكان منتدى الرؤساء التنفيذيين لأرامكو يشهد في الرياض في الوقت عينه، موافقة أكثر من 100 رئيس تنفيذي ومسؤول في شركات عالمية وأميركية وسعودية عملاقة، على بناء قاعدة صناعية في مجال النفط والغاز تدعم العالم أجمع. وأعلنت السعودية أن سلسلة الإمداد للنفط والغاز كبيرة جداً. وأنها ستنمو في المستقبل. وأن “أرامكو” ستزيد استثماراتها الأميركية على مدى 10 سنوات.

وأكد وزير التجارة الأميركي “ويلبور روس” أهمية العلاقات مع السعودية، وقال: “إنني مسرور جداً لوجودي هنا.. لهذا الحدث. وهذا الحشد الواسع والمهم من الشركات والأشخاص وأوضح وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصيبي، أن بلاده منحت تراخيص للاستثمار في المملكة لثلاث وعشرين من كبريات الشركات الأميركية.

في هذا الوقت كان الرئيس روحاني في ايران يتعهد بعد فوزه الكاسح في الانتخابات، النأي عن “العنف والتطرف”، مما كان يشكل صفعة للتيار الأصولي. في الوقت عينه كان آية الله خامنئي يطالبه بالتحلي بالحكمة في العلاقات الدولية. أما في سورية، فكانت القوات النظامية وميليشيات مؤيدة لها تقترب من قاعدة “جنود التحالف الدولي” مما جعل التوتر يسود البادية السورية قرب مثلث الحدود مع العراق والأردن، وقد بادرت القوات النظامية ومسلحين يعملون تحت إشراف ايراني، إلى التقدم في المنطقة، للتقدم على طريق دمشق – بغداد الدولي. وهذا ما جعل قوات التحالف تنذرهم من الاقتراب من معسكرات القوات الأميركية – البريطانية والفصائل السورية المعارضة المدعومة منها.

ورحب المشاركون بقمة الرياض بالاستعداد لبناء قوة تدخل عسكرية لمحاربة الإرهاب قوامها 34 ألف جندي. ووصف الملك سلمان إيران بأنها “رأس حربة الإرهاب العالمي”. ووصفها الرئيس ترامب بأنها “تمول وتسلح وتدرب الميليشيات” . وأكد إعلان الرياض التزام الدول المشاركة في القمة محاربة الإرهاب بجميع أشكاله، والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله. واتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الجرائم الارهابية، بالتعاون الوثيق في ما بين دولهم ومن ذلك مثلاً:

1- تأسيس مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف ومقره الرياض.

2- تعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب.

3- التصدي للهجمات الإرهابية ومنعها وتبادل المعلومات حولها

4- السعي للتوصل إلى تسوية للصراعات، والتصدي للمنظمات الارهابية في اليمن.

5- حماية المياه الاقليمية ومكافحة القرصنة وتفادي تعطيل الموانئ والممرات البحرية.

6- دعم القدرات والامكانات المواجهة للجريمة المنظمة عبر الحدود

7- متابعة برامج وأنشطة مجالات الشراكة وأن تكون تلك الجهود حثيثة ومستمرة، وبناء شراكة استراتيجية.

8- تشكيل لجان وزارية وفرق عمل فرعية، وما يستلزمه من اجتماعات ومناقشات. ورفع تقارير دورية تلحظ تقدم الشراكة.

9- التأكيد على أن مبادئ إعلان الرياض تمثل منعطفاً تاريخياً في العلاقة بين العالمين العربيّ والإسلامي مع الولايات المتحدة الأميركية.

10- أن بنود هذه المعاهدات وهذه التعهدات، وهذه التوجهات بين أميركا والسعودية وجدت لتستمر في بناء آفاق أرحب لمستقبل العلاقات بينهم.

عكست قمة الرياض إذن بكل وضوح فلسفة الاستنـزاف أميركياً، حين تحدثت عن إرهاب إيران من جهة، واستنفار كل الجهود والأموال العربيّة لمواجهتها، في حين أكدت على لسان ترامب نفسه، أنه متفائل بالتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل. ولذلك فإن الاستنـزاف الأميركي للأموال والطاقات والمخزون، سيدوم ما دامت إيران موجودة، أما الصراع العربيّ الإسرائيلي، فهو شأن آخر، ولا يقع في دائرة الحسبان.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث