ضعفٌ وقيودٌ من ورق

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

يدري بالحادثة، تستوقفه  للوهلة الأولى، ومن ثم يتحف السمع ويدهش النظر ويخدش المنطق بتحليلات وإستنتاجات وتوقعات حيكت بإبرته السحرية التي تشوه الحقيقة وتستفحل بالاستنتاجات الباطلة، دون أن ننسى ذكره لأبعاد الحادثة الميتافيزيقية مع توقيع إسمه تحت خانة التقييم.

يا ليتني أكتب لأتحدث عن صحافيٍّ يهرع وراء الأخبار ويحلل بغية تقديم مقال متكامل العناصر. لكنني أتحدث عن الناشطيين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن أبناء المجتمع الذين بنوا لأنفسهم قصوراً من عاج فوصل بهم الأمر إلى قتل الضحية مرتين عبر ذمّه لما إرتكبت يداه من أفعالٍ مجحفة بحق نفسه قبل الدين والعائلة والمجتمع.

إزدحمت الساحة اللبنانيّة مؤخراً بحالات الإنتحار التي تعتبر نتيجةً لإضطراباتٍ وأوجاعٍ وآفات نفسيّة سامة قادرة على تعطيل وظائف الجسم ودفع الانسان إلى الهاوية. حوادث جعلت ألسنة المجتمع التافهة، تنطق بأقاويل سطحية، فارغة، لم تأخذ من حوادث الإنتحار إلى قشورها.

فنحن يا سادة من دفع بالشباب للإنتحار. نحن بنظراتنا وتحليلاتنا  للأمور وتصنيفنا لبني البشر، جعلنا من أولئك الشباب رهينة بيد آفات الواقع اللبناني الذي أنبت إنكسارات أرخت بثقلها على الذات الإنسانية فقضت عليها بعد صراعٍ طويل لم يدر أحد به.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن الشاب الذي إنتحر نتيجة الحادثة التي ألمت به تحت فضاء العالم الإفتراضي، ما كنّا  لنخسره لو كان مجتمعنا يسمع ويتقبل ويعفي. لو كانت ثقافة العلاج النفسي منتشرة بمجتمع كل ما فيه يدعو للعلاج!

إنّ الواقع الإقتصادي يا سادة ليس بعنصرٍ مباشرٍ لكثرة حوادث الإنتحار في مناطقنا، فلبنان بأكمله يعاني من شحّ في الفرص الإقتصادية ومن قدرة شرائية تتهاوى. لكنّ الواقع الإجتماعي المتمثل بغياب الحوار بين أفراد العائلة لكون الأهل بمعظمهم، يتبعون الطرق التقليدية بالتنشئة ومعالجة مشاكل الشباب، زد على ذلك إضمحلال الإستشارات الطبية النفسية الضرورية وسط عقلية شبابية ضعيفة تهاب عيون المجتمع الذي يسترق الفرص لإطلاق السهام على من تخطى قواعده الورقية.

فيا سادة، ما من حلٍ سوى النهوض الإجتماعي. لا بدّ من نشر ثقافة العلاج النفسي. لا بدّ من تقبل أخطاء الشباب وإخفاقاتهم. لا بدّ من الإرتقاء عن الأحكام المسبقة. يجب علينا أن نبني جيلا شبابيا بشخصيات صلبة!

كفانا قتل الضحية مرتين. كفانا ذم المنتحر الذي أحب الشباب ذات يوم، لكن إستسلامه في ساحة المواجهة، أوصله إلى الموت. وما يزيد الوضع تعقيداً هو أسلوب المعالجة. فتلك البيانات التي أطلقت من هنا وهناك كأنها تقول للشباب: “خبّئوا مشاكلكم بين جدران الذات المتعثرة، واتركوا قواعد المجتمع تتحكم بكم، فلا فسحة لكم لمناقشة الحواجز والهواجس”…التي من الممكن أن تكون بسيطة لا بل تافهة!

(أنباء، الأنباء)