عن المشاريع الإنتخابية التقسيمية!

محمود الاحمدية

يقول نصري سلهب: “أنا المسيحي، المؤمن بسر التجسّد وبجميع الأسرار المسيحية والتعبّد لشخص المسيح كإنسان وإله، أنا المسيحي، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن المسلم أخي أحبّه كما أحب المسيحي بل أكثر، لأني أعمل بوصية المعلم القائل: أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم ليعلم الناس أنكم تلاميذي”.
بعد حضوري خلال الأسبوع المنصرم حوالي خمسة توك شوات سياسية على مختلف الفضائيات اللبنانية، لاحظت أن فحيح الطائفية ينضح بشكل مقزز ومخيف، ويكشف ضحالة الوجود السياسي والغاية التي تغلب العقل، والعاطفة تغلب البصيرة… أسماء طنانة رنانة تقول بكل وقاحة وبدون أي رادع أو ضمير أو وعي أو رؤيا: مهما بَعَدنا واقتربنا وحاورنا ليس هناك أعدل من النظام التأهيلي الذي يؤهل 64 مسيحي بأصوات المسيحيين قبل الوصول إلى المرحلة التالية حيث يحق وحسب قانون باسيل المسخ لكل المواطنين انتخاب الذين قطعوا المرحلة الأولى حيث المسيحي ينتخب المسيحي والمسلم ينتخب المسلم وإذا (ساقبت) والمنطقة لا مجال لمسيحي أو مسلم فيها يبقى المسيحيون في بيوتهم أو المسلمون في بيوتهم انتظار لما أراد لهم مواطنوهم وقرروا عنهم من الذي يجب أن يختاروا من الطوائف الأخرى!!
هو مشروع تقسيمي، انتحاري، قبلي، يخلق خنادق حقد في قلب كل بيت إذا كان الزوجان من ديانتين مختلفتين، ويخلق مشاعر كريهة وانعزالية في مطلق أي بلدة لبنانية حيث تعوّد الجميع أن يختاروا الذين يريدونهم بالرغم من كل شوائب القوانين الانتخابية، وعبر التأهيل هناك حوالي 58000 مسيحي لا ينتخبون في المرحلة التأهيلية وحوالي 70000 مسلم لا ينتخبون مما يشكل فضيحة حقيقية وغير دستورية هذا عدا عن خلق نظرة دينية حاقدة بين الجار وجاره فماذا يعني أنني أنتخب بغنى عن رأيك لأنك من دين آخر؟؟ ماذا يعني أن تحرمني أنا المسلم الدرزي من انتخاب زميل دراسة لي في معهد اليسوعية العالية للهندسة لمجرد أنه مسيحي، أين هو المكان والقيمة لإنسانية الإنسان ولنوعية الإنسان، أنا مبدأي وكل زملائي يعرفوني، الذي يهمني آدمية المسؤول وزيراً كان أو نائباً أو مديراً عاماً أو أي موقع، العبرة فقط وفقط في مقدرته، في عطائه، في إنسانيته، في الرؤيا التي يملكها، منذ عهد الاستقلال لم يتجرأ أحد على التطرق إلى هذا المشروع الجهنمي على أساس المناصفة في (استقلالية الاختيار) كعرق صافٍ، أي 64 نائب مسيحي عبر أصوات مسيحية صرف، أي جنون هذا في وطن يفتح أبواب جهنم على مقترحات كانت نائمة سابقاً وبدأت الأصوات ترتفع عالياً بدل الهمس: يا أخي إذا كانت هذه هي العبرة فتفضلوا أنتم لا يحق لكم أكثر من 36 نائباً طبقاً لعددكم، ولا يحق لكم 15 وزيراً من أصل 30 بل 9 وزراء، وأنتم بـ 30% من عدد سكان شعبنا لا يحق لكم مناصب رئاسة الجمهورية، وقائد الجيش، وحاكم مصرف لبنان، ونائب مجلس الوزراء، ورئاسة المجلس الدستوري، ونائب مجلس النواب وأكثر من نصف وظائف الفئة الأولى، هل أنتم مظلومون كما يدّعي باسيل؟؟ أنا محمود الأحمدية المسلم الدرزي رضيت بأن يقولون لي في وطن أن لا أحلم برئاسة الجمهورية، أن لا أحلم برئاسة مجلس الوزراء، أن لا أحلم برئاسة مجلس النواب وأخيراً وقمة السخرية أن لا أحلم برئاسة مجلس للشيوخ حسب تشبيحات باسيل المضحكة وكأنه يعيش في كوكب آخر ولم يفهم أن هذا البلد عاش بالتفاهم – بالتوازن وبالاحترام المتبادل وعندما كانت الأمور تذهب بطائفة لمحاولة السيطرة كان الجواب حرب أهلية عاصفة لا تبقي ولا تذر… أخطر ما سمعته من سياسيين أعهدهم عقال، القول: إذا كانوا يريدون العد فلنبدأ بمسيحيي المهجر!!! إذاً يا سادة هذه المؤتمرات المهجرية التي رحبنا فيها ببعدها الوطني الإبداعي هل هناك عقل مخرب وراءها للقول لشريك الوطن إننا لسنا 30% بل أكثر من النصف؟؟ هي أفكار تدميرية لأن المهاجرين من المعيب أن ندخلهم في جهنم الطائفية التي حطموها في بلاد الغربة بوعيهم وثقافتهم وإبداعهم والأنكى أن حقيقة الأمر المهاجرون لا يميلون إلى جهة طائفية واحدة نقول ذلك ونأسف للدخول في هذه الدهاليز الجاهلية القبلية بكل معنى الكلمة…

ويبقى أن نقول وبكل أسف وبعيداً عن مبادئي، عندما تأتون على سيرة الدروز والحديث بالعدد وانطلاقاً من نفس أفكاركم يجب أن يعلم القاصي والداني أن بني معروف هم أساس هذا الوطن ومؤسسو هذا الوطن وينامون على جراحهم من أجل الوطن ولكنهم جزء من عبقرية كونية شاملة منفتحة بعيدة عن العنصرية فإياكم التجرؤ على مواجهة العرف: رئاسة الجمهورية عرف، رئاسة مجلس النواب عرف، رئاسة مجلس الوزراء عرف، ورئاسة مجلس الشيوخ أيضاً عرف، لأنه وفي الدستور غير مذكور كتابة طائفية المراكز المذكورة وكذلك الطائف وبالعرف كانت الرئاسة للدروز، فاليخيطوا بغير هذه المسلة، وأنا مخجول من نفسي وأعتبر نفسي علماني سامحهم الله ولكنهم عندما تراهم يضعون السكين على الرقبة تجد نفسك مجبراً على الدفاع عن نفسك بعيداً عن المدرسة الثقافية السياسية وعن فكر كمال جنبلاط وعن كل عظمة العلمانية حيث الإنسان يقيم بقيمته وليس بدينه!

قصة أخيرة موجهة إليك سيد جبران باسيل: كان فارس الخوري رئيس وزراء سوريا عام 1944 وفي ذات الوقت وزيراً للأوقاف الإسلامية، وعندما اعترض البعض خرج نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك عبد الحميد طباع ليتصدّى للمعترضين قائلاً: إننا نؤمن فارس بك الخوري المسيحي على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا… وفي أحد الأيام أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق، فما كان من فارس الخوري إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة، وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدّعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا عن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله… فأقبل عليه مصلّو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلاً وخرج أهالي دمشق المسيحيون يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون لا إله إلا الله لم يكونوا مسلمين أو مسيحيين ولكن كل أبناء الوطن…

معالي الوزير… تخلَّ عن أحلامك وعن رؤياك المدمرة التي سيدفع ثمنها من تدّعي حمايتهم أولاً وأخيراً ومن ثمّ الوطن بأكمله…

ربي أشهد أني بلّغت.

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود،

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين في بيروت

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة