مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

يُعتبر الدستور اللبناني الذي وُضِع عام 1926 وعُدِل في العام 1943 وفي العام 1990؛ من اهم الدساتير في دول المنطقة، لأنه واضح في صياغتة للمُحددات العامة لهوية البلاد، وطبيعة نظامها السياسي الحر، ولناحية حفظ حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامة، لا سيما الحريات الدينية، كما انه يُنظِّم على شاكلة معقولة دور السُلطات في الدولة. لكن بعض المواد المُتفلِّتة من الضوابط، تخلق بعض المُشكلات من حينٍ لآخر، وقد تجرُّ الاوضاع الى إختلالٍ كبير إذا ما تمَّ إستغلالها لإحداث شرخ بين المؤسسات، او انها قد تؤدي الى تعطيل الدولة برمتها في بعض الحالات فيما لو كانت الاجواء السياسية مشحونة. وبالتالي فإن هذه المواد تحتاج الى تفسير واضح يُلغي الإلتباسات القائمة حولها.

عاشت البلاد اكثر من عامين ونصف العام من دون رئيس للجمهورية، علماً ان المادة 74 من الدستور تنص على واجبات مجلس النواب الشروع فوراً بإنتخاب رئيس دون إبطاء عند شغور المنصب، ولا يمارس المجلس اي عمل تشريعي آخر قبل إنتخاب الرئيس. وهذا ما لم يحصل خلال الفترة المذكورة اعلاه، لأن المادة 49 من الدستور، لم تُحدِد نصاب جلسة انتخاب الرئيس بشكل واضح، بحيث ذكرت ان إنتخابه يحتاج الى حضور ثلثي عدد النواب في الدورة الاولى، والنصف + واحد منهم في الدورة الثانية، من دون ان تذكُر النصاب المطلوب للجلسة الثانية التي يتم فيها الإنتخاب بالاكثرية، مما سمح للإجتهادات ( لاسيما رأي البطريرك نصرالله صفير عام 2008 وتبناه الرئيس نبيه بري) في ان النصاب يجب ان لا يقل عن حضور الثلثين، وهذا الحل لم يكُن على قاعدة دستورية، بل دفعت اليه الاجواء السياسية الداكنة التي كانت تسود البلاد، وبالتالي تمَّ إعتماده منعاً لإندلاع إضطرابات.

وهذه المادة الهامة من الدستور، لم تفرض على النائب الزامية حضور جلسة الإنتخاب، وبالتالي فإن خلو مواد الدستور من وجوب حضور النائب  جلسة الإنتخاب؛ كاد يؤدي الى إنحلال الدولة.

ومناسبة إثارت هذه الاشكاليات في الدستور اللبناني اليوم؛ هو القرار الذي إتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفقاً للمادة 59 من الدستور، والقاضي بتعليق إنعقاد جلسات مجلس النواب في دورته الربيعية العادية ولمدة شهر تنتهي في 15/5/2017، اي قبل 15 يوم من نهاية دورة المجلس، علماً ان صلاحية المجلس المُمددة، تنتهي هي ايضاً في 20يونيو. وهذه المادة، ( اي 59) جاء ترتيبها بعد المادة 54 التي تفرض توقيع رئيس الحكومة والوزراء المُختصين على كل القرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية، ولكنها لا تحمل صياغة يمكن أن تُحللها من مُحددات المادة 54. ولو كانت الاجواء السياسية على غير الحالة التي تعيشها البلاد اليوم – اي لو كان الإنقسام ما زال قائمة بين محوري 8 و14 آذار – لكان الامر مُختلفاً، وبطبيعة الحال فإن قرار رئيس الجمهورية بتأجيل الجلسات من دون توقيع رئيس الحكومة والوزراء المُختصين؛ كان سيُعتبر غير دستوري بنظر المعارضين، لأنه لا يوجد اي نص في متن المادة 59 او غيرها، يعفي الرئيس من عرض قراره في هذا الشأن على رئيس الحكومة والوزراء المُختصين الآخرين، برغم ان نص المادة واضح لناحية حصرية ارادة الرئيس في إتخاذ مثل هذا القرار، فهناك تناقض بين مضمون المادة 54 والمادة 59، يمكن البناء عليه لإستخلاص تفسيرات يمكن لها ان تعطل الدولة. وبالتالي إعتبار قرار الرئيس غير دستوري، وربما عدم تنفيذه لعلة عدم توقيعه وفقاً لمندرجات المادة 54.

والمواد المُتفلِته – او التي تحمل تفسيرات مُتعددة –  في الدستور عديدة، ولا بد من تكبيلها بالمُحدادت التي تُلغي الإجتهاد في تفسيرها، او إعادة صياغتها بعيداً عن المجاملات الحزبية او الطائفية، وذلك من خلال تعديلات شكلية على الدستور، او من خلال إعطاء صلاحية واضحة ومُلزِمة للمجلس الدستوري بالتفسير.

هناك وجود لتناقض بين بعض مواد الدستور، او تجاهل لهذه المواد من قبل السلطتين الإجرائية والتشريعية المؤتمنتين على تطبيقه. فكيف يمكن لمجلس النواب او لمجلس الوزراء قبول إقتراحات قوانيين إنتخابية تعتمد المُحددات الطائفية والمذهبية، وتُفرِق بين اللبنانيين على هذه الخلفية، وهي (اي الإقتراحات) تمس بمضمون المادة27 التي تنص “على ان النائب يمثل الأُمة” وتنصُ الفقرة ( ج) من مقدمة الدستور على “ان إلغاء الطائفية هدف وطني واساسي يقتضي العمل لتحقيقه” كما ان المادة 95 من الدستور الزمت السلطة ” الشروع بإنشاء مجلس شيوخ وتحرير مجلس النواب من القيد الطائفي “؟

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي