أردوغان انتصر… لكنّ الأصعب أمامه

مراد يتكن (الحياة)

حقق الرئيس رجب طيب أردوغان حلماً كان يسعى إليه منذ عشر سنوات بتحويل تركيا إلى نظام رئاسي، واليوم لا حاجة له الى دعم القوميين أو غيرهم، وهو الرئيس القوي. وأعلن أردوغان عن فوز فريقه واتصل مهنئاً بشركائه السياسيين لحصولهم على نسبة 51.4 في المئة من أصوات نحو 55 مليون ناخب. لكن هذا الاستفتاء لفّته ظلال شك كثيرة بسبب اللجنة العليا للانتخابات. فرئيس اللجنة هذه، سعدي غوفان، كان آخر المتكلمين عن النتيجة على غير عادته، والتفسيرات التي ساقها حول موقف اللجنة من الأصوات والظروف غير الممهورة لم تقنع أصحاب الضمير الحي في حزب «العدالة والتنمية» المستفيد من هذه الواقعة. فغوفان غيّر، قبيل فرز الأصوات، القوانين، وأعلن قبول واعتماد الظروف غير الممهورة، وكأنه حكم في مباراة كرة القدم يغير قوانينها في الشوط الثاني لمصلحة فريق على حساب الآخر.

وقال زعيم المعارضة، كمال كيليجدار أوغلو، أنه طالما أن واحداً من كل اثنين أعلن رفضه للنظام الرئاسي، لا تقوم قائمة لكلام عن تغيير دستوري يعبر عن رأي غالبية الشعب. وفي النتائج نقرأ عدداً من الملاحظات المهمة، أولها خسارة الحزب الحاكم وحلفائه كبرى المدن التركية، وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول. وصوت كل من هاتين المدينتين ضد النظام الرئاسي، علماً أنهما في السابق لم تخذلا أردوغان منذ دخوله الانتخابات في 1994. كما أن أزمير التي ركز عليها رئيس الوزراء في حملته الانتخابية بلغت فيها نسبة الرفض نحو 70 في المئة، وهذه رسالة قوية. وثمة محافظات كانت حكراً على نفوذ حزب «العدالة والتنمية» الحاكم والقوميين، مثل أنطاليا وأضنة ومرسين، قالت كلها لا للنظام الرئاسي.

ويمكن القول إن المناطق الأكثر تقدماً في الصناعة والتجارة والتعليم والثقافة قالت لا للنظام الرئاسي. لكن طبعاً هذه هي الديموقراطية: لا فرق بين صوت التاجر والمزارع، ولا بين المدني والفلاح. لكن من الواضح أن ثمة انقساماً مجتمعياً بين القرية والمدينة لا يمكن اغفاله بعد هذه التجربة. وواجه من قاد حملة رفض النظام الرئاسي ضغوطاً كبيرة وظروفاً وشروطاً غير عادلة، بل انهم حتى تحمّلوا تهمة أنهم إرهابيون وانقلابيون، ومع ذلك نجحوا من طريق وسائل بسيطة جداً في حمل واحد من كل اثنين من الأتراك على قول لا لهذا النظام الرئاسي. نسبة الواحد وخمسين في المئة بعيدة عما كان يريده الرئيس أردوغان الذي أعلن أنه يرغب في نحو 60 في المئة من التأييد. وهي بعيدة كذلك من توقع الحزب الحاكم ألا يقل التأييد عن 56 في المئة. وعلى المستوى القانوني، لا فرق، طبعاً، بين مرور المشروع الرئاسي بنسبة دعم 60 في المئة أو 51 في المئة.

ولكن ثمة فارقاً مهماً إذا نظرنا الى الناحية السياسية للموضوع. وقاد زعيم المعارضة، كيليجدار أوغلو، حملة الرفض منفرداً، بسبب سجن القيادات الكردية الرافضة للمشروع الرئاسي. وهو كان الزعيم الوحيد في الساحة السياسية الذي يقود هذه الحملة، مقابل حملة الرئيس ورئيس الوزراء وزعيم الحركة القومية. وعلى رغم أن مجموع أصوات حزب «الشعب الجمهوري» المعارض وحزب «الشعوب الديموقراطية» المحسوب على الأكراد في الانتخابات الأخيرة لم يتجاوز 45 في المئة، نجح كيليجدار أوغلو في رفع هذه النسبة إلى 49 في المئة، علماً أن ثلث أصوات الأكراد تحولت هذه المرة لمصلحة معسكر الحكومة. وهذا يعني أن كيليجدار أوغلو أحرز اختراقاً مهماً في جبهة اليمين والمصوتين للحزب الحاكم، وهذا أمر غير مسبوق.

وعليه، لن تتصرف كوادر حزب «الشعب الجمهوري» على أنها خسرت هذا الرهان. فهي نجحت في استمالة كتلة شعبية أكبر. كما أن الرافضين للمشروع الرئاسي كانوا يؤكدون ضرورة البقاء على تواصل مع الاتحاد الأوروبي والغرب، وتنمية الثقافة، وحماية العلمانية، والحريات وحقوق الإنسان.

ولكن أردوغان سارع خلال إعلان فوز معسكره وفي خطبة أمام جماهيره، الى الحديث مجدداً عن عقوبة الإعدام التي ألغاها حزبه قبل أكثر من عشر سنوات بحجة أنها تنافي حقوق الانسان. وعودة هذه العقوبة لن تهوي فقط بتركيا إلى مصاف الدول النامية والمتخلفة ديموقراطياً، وإنما ستضرب علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي وقد تنهي مسيرة المفاوضات معه على العضوية فيه. والصورة واضحة اليوم، ويكفي أن نتأمل في صورة أردوغان وهو يلقي كلمة النصر في قصره: لم ترتسم فرحة النصر على وجهه، بل كان مكفهراً وكأنه لا يعلم ماذا يفعل بهذه النتيجة الهزيلة. نعم أردوغان قانونياً وعددياً انتصر، لكن مهمته زادت صعوبة سياسياً.