القطاع الهندسي في “التقدمي” من صانع القرار الى حاسم للخيار

د. وليد ملاعب

في غمرة التطورات الحاصلة على وقع نتائج الإنتخابات الأخيرة في نقابة المهندسين, وبالإستناد الى كل المراحل التحضيرية التي سبقتها والتي أنتجت تحالفات هجينة في ربع الساعة الأخير من فجر يوم السبت في 8 نيسان أي يوم الإستحقاق الإنتخابي، لا بد من التأكيد في البداية على إستثنائية الحدث في هذا العام الذي حمل في مندرجاته ونتائجه معان كبيرة وعديدة يصعب تجاوزها وعدم أخذها في الحسبان في المراحل القادمة.

إنتخابات 8 نيسان أضفت على واقع نقابتنا معطيات جديدة عبرت عنها شريحة واسعة من المهندسات والمهندسين الشباب ومن كل القوى السياسية والنقابية. معطيات إن دلت على شيء فهي تدل على إدراك المهندس اللبناني لحقيقة الواقع المأزوم الذي تعيشه المهنة في لبنان والذي يتجلى بهذا العدد الكبير من المنتسبين الى نقابة بيروت والذي تجاوز الـ 53 ألفا في هذا العام والمرشح لتزايد سيصل الى المئة الف مهندس بعد بضع سنوات. مع ما يترافق مع هذا النمو العددي الكبير من ظواهر سلبية عديدة كالبطالة حيث تشير الإحصاءات الأخيرة الى أن 7000 مهندس من أصل هذا العدد يعمل في المهنة، وتدني المستوى العلمي للمتخرجين بفعل إزدياد عدد مدارس وكليات الهندسة ولاسيما في جامعات الطوائف حيث تخرج من إحدى هذه الجامعات في العام الماضي أكثر من ألف مهندس.

أمام هذا الواقع الصعب الذي يترافق مع غياب لدور النقابة في الإنخراط الفعلي في القضايا الوطنية الكبرى والمساهمة في إجتراح الحلول النوعية الهادفة للحفاظ على البيئة والتراث والمشاركة الفعالة في بلورة رؤية علمية هندسية لكل ما نواجه من مشكلات، برزت إراة التغيير وتغليب الخطاب النقابي المهني على الخطاب السياسي عند شريحة واسعة من المهندسات والمهندسين الذين حملوا راية التغيير وساهموا بإيصال نقيب للمهندسين يتخذ من العلم والمعرفة سبيلا ومنهجا لإدارة هذه المؤسسة الفاعلة والحاضنة لشريحة واسعة من اللبنانيين.

على هامش الحدث الإنتخابي وبقراءة متأنية في بعض الأرقام لا بد من تسجيل الملاحظات والحقائق التالية:

1-عدد المهندسين المقترعين والمشاركين في الإنتحابات 9877 مهندسا وهو عدد قليل قياسا لأعداد المهندسين ولأهمية الحدث حيث كانت كل التوقعات تشير الى أن العدد سيتجاوز 13 ألف مهندس. لا يمكن تفسير هذا التدني في الأعداد إلا بأمر من الأمرين، عدم التحضير الجيد للمعركة الإنتخابية وخاصة من القوى المتحالفة في لائحة السلطة والثاني إستياء المهندسين من طبيعة المعركة القائمة والذي ترجم إحجاما عن المشاركة والتصويت. الفرضية الثانية ترجمت ببعض جوانبها في الصناديق.

2- الأرقام االذي حصل عليها النقيب ثابت تدل على أنه نال عددا من الأصوات من مهندسي القطاعات الهندسية المتحالفة فيما بينها في مواجهته الأمر الذي يؤكد على تغيير جذري في مزاج المهندسين الذين يغلبون الخيار المهني النقابي على الخيار السياسي الخيار الذي يضمن مصالحهم ومستقبلهم وأمنهم الصحي والإجتماعي، الخيار الذي يحافظ على أخلاقيات المهنة والذي يجعل من الحفاظ على التراث قضية وطنية كبرى تبقى من اهم مرتكزات بناء هذا الوطن، الخيار الذي يوفق بين البنيان والعمارة المستدامة ودورها في التخفيف من التلوث البيئي القاتل…

3- حدة المواجهة الإنتخابية على منصب نقيب حصلت من خلال تجمعين الأول شمل كل القوى الحزبية والسياسية الوازنة من المهندسين وهي معروفة للجميع والثاني تشكل من التجمعات المهنية والمدنية والهندسية وعلى رأسها القطاع الهندسي في الحزب التقدمي الإشتراكي الذي ساهم بشكل فعال في تغيير النتيجة لصالح النقيب ثابت بعدد من الأصوات تجاوز الـ 800 مقترع أكدوا مرة جديدة قدرة هذا القطاع وعلى مر السنين على التأثير الكبير بمجريات العملية الإنتخابية. فهو صانع للقرار في بعض الأحيان وحاسم للخيار في أحيان اخرى..

بناء على هذه المعطيات نطالب مجلس النقابة برئاسة النقيب المنتخب القيام بدوره كاملا تحقيقا لطموحاتنا وآمالنا وذلك من خلال إقرار رؤية شاملة هادفة الى تطوير العمل والإداء وفق المسارات التالية:

-إنخراط نقابة المهندسين الفعلي والمباشر في كل القضايا الوطنية والتي تبدأ بالمحافظة على التراث وتنتهي بتفعيل دورها العلمي والمهني حيال كل القضايا المطروحة من ملفات النفط الى ملف النفايات وظاهرة التلوث العمراني وتصدع الأبنية وأزمة الطرقات وغيرها من الملفات الحيوية.

-تحويل نقابة المهندسين الى مؤسسة رقمية على غرار مثيلاتها في الدول المتقدمة.

-إبراز دور النقابة العلمي والبحثي وذلك من خلال إنشاء مركز للبحوث الهندسية يساهم بتفعيل البحث العلمي وبدراسة سوق العمل وتدريب المهندسين وإطلاعهم على الخبرات المبتكرة بالإضافة الى دور توجيهي في كل المجالات (القطاع الهندسي قدم مشروع متكامل الى النقيب السابق حول هذا المكتب).

-السهر على ضمان إستقرار الأمن الصحي والإجتماعي للمهندس من خلال المحافظة على المحفظة المالية وتوسيع الإستثمارات المضمونة الأرباح وإنشاء إدارة ذاتية لصندوق الإستشفاء. وهذا ما تم إقتراحه من قبل القطاع الهندسي في مذكرة تقدمت في العام المنصرم.

إن تاريخ القطاع الهندسي شاهد على إنحيازه الدائم للخيارات النقابية وفق توجهات حثيثة ودعم دائم من رئيس الحزب وليد جنبلاط وما المواقف المتخذة وفي عدة إستحقاقات إلا دليل قاطع على هذا التوجه الذي دافع دوما عن المهنة ودورها ليس فقط من خلال المواقف بل من خلال المذكرات وأوراق العمل المتضمنة لخطط وحلول. ومن خلال الرفض الدائم لتسييس الإنتخابات الذي جعلت القطاع مجبرا على سحب مرشحيه في إستحقاقات إنتخابية عديدة. ومستمرا فيها في بعض الأحيان ضمانا ودعما لخياراته المتمثلة بدعم النقيب على غرار ما حصل في الإنتخابات الأخيرة.

تحية شكر وإمتننان لكل الزميلات والزملاء المشاركين في هذا الإستحقاق الإنتخابي الذي إنتهى لتبدأ ورشة عمل حقيقية مواكبة لمجلس نقابة تندرج مهمامه ضمن المسارات المطروحة.

(*) عضو مجلس نقابة المهندسين