آليات مكافحة الفساد

عمر ملاعب

في ظل الحديث المتنامي حول الضرورة الملحة للبدء بعملية إصلاح لبعض القطاعات والإدارات الحكومية والعامة لإيقاف مزاريب الهدر والفساد، لا بد من الإضاءة على بعض الجوانب المتعلقة بآليات مكافحة الفساد. في البداية لا بد من ذكر أن عملية مكافحة الفساد على مستوى لبنان قد تكون مرتبطة إلى حد بعيد بقرار سياسي يعطي الضوء الأخضر لملاحقة الفاسدين.

لكن على الرغم من وجود هذه الفرضية إلا أن عملية مكافحة الفساد تمتد إلى أعمق  وأبعد من موضوع الرشاوي والفاسدين  لتطال الطريقة التي من خلالها تعمل الإدارات ومعايير الحوكمة التي تتّبع فيها. وعلينا في هذا الاطار أن نكون على يقين بأنه لا توجد وصفات سحرية جاهزة تنهي الفساد وتقوم بإصلاح الإدارة والعمل العام بين ليلة وضحاها. فالفساد عملياً هو تراكم لممارسات إدارية خاطئة عبر سنوات وأحياناً عقود وعدم صرامة في تطبيق القوانين، وعادةً ما يكون مصحوباً بأساليب عمل إدارية تشوبها العديد من الثغرات، إن من ناحية الكفاءات أو من ناحية النظم الإدارية المرعية الإجراء. وعليه فإن مكافحة الفساد تكون عبر رسم خطط ووضع آليات عمل شاملة لعمل واداء الإدارات والمؤسسات بالإضافة إلى  ادخال آليات تقييم العمل والأداء الحكومي وفق معايير ضمان الجودة والفعالية المتبعة في العالم.

في هذا الإطار، سنستعرض عدداً من الآليات والسياسات العامة التي من الممكن أن تساهم في عملية مكافحة الفساد وضمان استمرارية الشفافية على مستوى أداء القطاع العام. قبل شروع الحكومة في عملية مكافحة الفساد، لا بد من تحصين القضاء الإداري والتأكيد على إستقلاليته ورفع الحصانة السياسية عن العاملين في الوظائف الإشرافية والعليا وعلى مستوى الموظفين في أماكن إتخاذ القرار. تماشياً مع هذه العملية تضع الحكومة خطة عمل تركز في الدرجة الأولى على عملية تحسين الإدارة المالية في المؤسسات العامة وتعزيز دور وكالات تدقيق الحسابات داخل الإدارات وبالتنسيق مع ديوان المحاسبة، بالإضافة إلى توفير بيانات الميزانيات الخاصة بكل إدارة وإتاحتها للجميع عبر موقع الكتروني متخصص لعرض البيانات والمعلومات المالية بشكل دوري. وقد حققت عملية التركيز على التدقيق الخارجي للعمليات المالية الخاصة بالمؤسسات العامة النجاح في العديد من الدول النامية (تجربة سيريلانكا) والمتقدمة على حد سواء (تجربة المملكة المتحدة في اتاحة البيانات المالية الحكومية).

من ناحية أخرى، من المهم على الحكومات دراسة كيفية تقديم الخدمات والحرص على تفعيل دور الموظفين العاملين في الإدارات حول آرائهم وتقييمهم للخدمات المقدمة بحيث يتم إعادة النظر ببعض المسارات الإدارية مما يضمن السرعة والفعالية والاستدامة في تقديم الخدمة، بحيث من الممكن لهذه العملية الحد من الفساد عبر عدم إعطاء ذرائع للمستفيدين في الاقدام على تقديم رشوة، ومن ناحية أخرى عبر دراسة المسار الإداري للمستندات والخدمات ليتبين لنا الثغرات القانونية والإدارية التي يجب العمل على معالجتها.

على خطٍ موازٍ، واستناداً الى التطورات التي يشهدها العالم من ناحية تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، تبرز الحاجة إلى العمل الجاد لإطلاق منصة الكترونية للخدمات الحكومية (الحكومة الالكترونية) لما لها من قدرة على كبح مسببات الفساد عبر أتمتة معظم الخدمات وإتاحة التكاليف الدقيقة لكل معاملة.

في الختام،تشكل الآليات المذكورة أعلاه جزئاً بسيطاً في عملية كبح الفساد ومسبباته، وأية مقاربة لهذا الموضوع يجب أن تتبنى عملية الحلول الكلية عبر سياسات وآليات تضع نصب عينيها مراعاة تحقيق الاستدامة في هذه العملية.  ويبقى العمل على العنصر البشري وبناء القدرات وتطبيق القوانين الإدارية ووضع الكفاءات في المراكز التي تستحقها أحد أبرز وأهم العوامل التي تساهم في بناء المؤسسات وتحجيم انتشار الفساد في الإدارات العامة.

(الأنباء)