سلسلة الرتب والرواتب والحلول…  

فيصل مرعي

 

الجميع يعترف ويُقر، بأن سلسلة الرتب والرواتب، هي حق طبيعي، وشرعي، ومكتسب للقطاعات المختلفة. سلسلة رفعتها هيئة التنسيق شعاراً لا تنازل عنه في ظل وضع اقتصادي واجتماعي سيء ومترهل، وفي ظل فساد عمره عمر الزمان. في هذه الاجواء، راحت السلسلة تتخبَّط بين مؤيد ومعارض. فمنهم من راح يسعى لسحب هذه السلسلة من سوق المداولات، ومن الاروقة الاعلامية، ومنهم من أيدها نظرياً، مستغلاً إياها لغرض في نفس يعقوب، ومنهم من راح يروّج لها خدمة لمصالحه السياسية، فكان ان المماحكات والتجاذبات السياسية سادت في وقت ظن فيه البعض انها ستصب لسنوات قادمة في مصلحته الانتخابية، علماً ان كل هذه الفوضوية والغوغائية السياسية، لا طائل تحتها، ولا جدوى منها، ولا تجد منفذاً لها للوصول الى الحلول المنشودة، لا سيما لجهة التوفيق بين ما هو حقوق مشروعة للقطاع العام، وبين ما يُبقي الاقتصاد على ديمومته دون التهليل الى ما يُثير المخاوف، ويزعزع بنيته الاقتصادية، اذا ما اردنا الحفاظ على القدرة الشرائية للعملة الوطنية، وما تبقّى من فُتات العيش للعمال، ومن كيانية ووجود للدولة.

لا شك، بأن ما سيُغرق الفئات الشعبية اكثر فأكثر، وما سيكون اشد ضرراً، ليس فقط هذه الوعود التي هي اشبه بوعود “عرقوب” وكلام بكلام فحسب، وإنما كذلك ارتفاع الاسعار والتلاعب بالدولار، وهذا الاحتكار، فتبخَّرت السلسلة قبل ان تُقر، واستفحل التضخم، حتى ان الانجازات والمكتسبات التي تحققت سابقاً طارت الى حيث لا رجعة بما قد يوصل الطبقة العاملة والبلد بمعنى ما الى الافلاس، الذي من احد اسبابه هذه الرؤيا الاقتصادية الفاشلة، التي يرعاها، ويهلل لها اصحاب الرأسمال العالي، في وقت لا يمكن فيه التكهن بما ستحمله الايام القادمة من احداث وفوضى، واضطرابات محاذية لنا، بحيث من الصعب في هذه اللحظة الالتفات الى لبنان، لا سيما في حال انغماسه واغراقه بالآتون السوري، وتركه يتخبّط وحيداً، والنزوح السوري يتفاقم يوماً بعد يوم، والذي من شأنه ان يزيد الطيّن بِلَّة، مما قد يساهم في زعزعة لبنان، وتفكيك مقوماته ومكوناته.

هذه الظاهرة، ظاهرة النزوح، البادية للعيان، قد أخرت ما كان يجب الالتزام به وتحقيقه، خصوصاً لجهة الانصراف الى معالجة المسائل الحياتية والمعيشية. فقد كان الاجدر بالجميع معالجتها قبل وقوع الواقعة، واستخلاص ما يمكن استخلاصه من عبر وعظات.

يقولون: إن تحقيق المطالب الاجتماعية في هكدا لحظة، كان سيُسبب العجز في الميزانية، ومخاوف من هرب الرساميل، في حال اقرار السلسلة، ومن فرض ضرائب ترهق الفقراء، والعمّال، وموظفي القطاع العام. ولكن السؤال المطروح: من اوصلنا الى هذه الحالة المؤسفة من تعريض البلد الى الانهيار؟ لقد اوصلتنا الى هذه الحالة المؤسفة الطبقة السياسية، اوصلتنا الى ما وصلنا اليه، من تردِّي اقتصادي واجتماعي، ومن فقر مدقع. كل ذلك بسبب من الاستهتار، وبسبب انعدام حس المسؤولية، وبسبب تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية، تاركة الحبل على غاربه، متجاهلة عملية الاصلاح الاداري، التي من الطبيعي ان تترافق ومشروع سلسلة الرتب والرواتب، والتي لو اعمل بها لكانت خطوة على طريق الاصلاح الشامل، الا ان الطبقة السياسية اشاحت النظر عن ذلك، وابقت الوضع على ما هو عليه، من فساد ورشوة، لا بل كانت، ولا تزال في اساس عملية الفساد، بما اعاد البلد القهقري سنين طوالاً.

هذه الطبقة، ابقت الوضع يراوح مكانه، لانه ليس من مصلحتها النهوض بالوطن ومؤسساته، نهباً للمزيد من المال العام، ومن جيوب الفقراء، بقاءً لسلاطين المال ودهاقينه يتلاعبون بمصير الوطن، وبمصير ابنائنا ولقمة عيشهم، ومستقبلهم. والعجيب الغريب، ان هذه الطبقة، تعلن شيئاً وتبطن آخر، فيما يتعلق بالسلسلة.

فمن جهة تقول: انها محقة ومشروعة، ومن جهة اخرى تعود لتقول: كيف يمكن تمويلها؟ وما مصادر التمويل؟ علماً ان تأمين الموارد، بادٍ للعيان، ولكل ذي عين بصيرة، ولكل ذي نظر ثاقب. فاذا ما ارادوا ان يُقِّروا السلسلة، فليحصروا النفقات، وليعالجوا العجز، والهدر في الكهرباء البالغ الملايين من الدولارات سنوياً، وليفرضوا الضرائب على شركاتهم، وعلى فوائد اموالهم. إن تمويل السلسلة من مسؤولية الدولة اولاً واخيراً، خصوصاً وان تمويلها لا يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، لو ان كان هنالك رؤيا اقتصادية شفّافة في معالجتها.

هنالك مطالب مُحقّة ومزمنة للقطاع العام يجب اقرارها دون التهويل بتداعيات ومخاطر قد تؤدي  – كما يهللون- الى انهيار البلد على طراز ما حصل في اليونان، متجاهلين كبح جماح الفساد، والهدر، والصفقات والسمسرات، مفتعلين المشادات السياسة تهرباً من شرب كأس الفشل، ومن التصدّي لملفات أمنية تلفنا من كل حدب وصوب، لم يستطيعوا معالجتها، تكاد تضرب اقتصادنا في العمق، وتضع لبنان في مستوى الدول المارقة على شاكلة العهود الغابرة. فالاصلاح الاصلاح، سياسياً، واقتصادياً… هذا هو الحل لا غير.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…