عندما يطير آل جنبلاط بجناحين!
وهيب فياض
7 مارس 2017
غريب أمر أهل السياسة في لبنان يقيمون وزنا لما لا يقام وزن له وينسون ما يوزن بميزان الذهب.
يتعاطون مع اللحظة السياسية المؤقتة وكأنها دائمة مم انهم يقرأون يوميا، بل ويرددون دائما العبارة المنقوشة على مدخل السراي الكبير : “لو دامت لغيرك لما وصلت إليك”.
يتناولون الأدوية المفقدة للذاكرة مع ان الأوجب ان يتذكروا لا ان ينسوا.
يقولون ان بعض الزعماء في لبنان يسطون على حصص طوائف غير طوائفهم في المقاعد النيابية وكأن القانون الأرثوذكسي المقترح قد اصبح ساري المفعول، وينسون ان الزعامات اللبنانية إبان حكم المارونية السياسية كانوا يحصدون المقاعد بالشوالات اذا كانوا موالين.
ألم يكن كميل شمعون صاحب كتلة نيابية فيها من جميع المناطق والطوائف؟
ألم يكن كامل الأسعد وصبري حمادة قطبان نيابيان في جعبة كل واحد منهم مماشط مليئة بالخرطوش النيابي من كل العيارات والأوزان والالوان والمناطق والطوائف؟
ألم يكن جوزف سكاف ملك اللوائح في البقاع يعطي من يشاء ويحرم من يشاء.
أليس كمال جنبلاط الوحيد آنذاك بين هؤلاء الذي كانت كتلته هي كتلة نواب الشوف، مضافا اليها من أراد من النواب الذين لا يوصلهم هو الى البرلمان، ولكنهم ينضمون الى تكتله لتقارب افكارهم معه.
أما بعد التغيير الذي أدخلته وثيقة الطائف على مضمون الميثاق الوطني.
ألم يمارس وليد جنبلاط من بعده ذات السياسة، بل ذهب في خياره السياسي ابعد وابعد مما وصل اليه والده، رغم ان الظروف كانت تسمح بأكثر مما يعطيه إياه دستور ما قبل الطائف.
ألم يكن على لائحة وليد جنبلاط قواتي وكتائبي ومستقبلي وشمعوني وصلوا الى الندوة البرلمانية ولم يكونوا أعضاء في تكتله بل أعضاء في كتل احزابهم.
اذا كان لآل جنبلاط جناحان في السياسة على مدى تاريخهم فهذا ما يحسب لهم لا عليهم جناح وطني عام عابر للمناطق والطوائف، يضم من يتفق فكرهم وموقفهم مع فكر وموقف رئيس التكتل وجناح طائفة ومؤسسة للبنان لها في تاريخ لبنان رصيد لا يمكن القفز فوقه.
يطير آل جنبلاط تاريخيا بالجناحين بتوازن دقيق لا يمكن الإقلاع بدونه.
لم يكن كمال جنبلاط ومن بعده وليد جنبلاط طامحين الا لتكوين كتل نيابية وطنية متنوعة تصون الوطن بدل ان تحسب على طائفة.
هل كان معروف سعد او على الخليل رحمهما الله يصلان الى النيابة بأصوات الدروز، لكي يكونا حلفاء في كتلة كمال جنبلاط او جبهته الوطنية العريضة؟
وهل نواب اللقاء الديمقراطي الحالي من غير الدروز، لا يمثلون بيئتهم المسيحية في دوائر لا يمثل الدروز فيها اكثرية عددية. والأمثلة في نواب بيروت والبقاع كثيرة كل خيارات آل جنبلاط لم تكن يوما خيارات محكومة بالقوة والضعف وميزان القوى.
لقد عارضوا ازمانا ووالوا لحظات ولكنهم في المعارضة والموالاة، ما نسيوا يوما ان الغد يمكن ان يكون نقيض اليوم، معارضة او موالاة والمؤكد المؤكد الذي لا لزوم لتأكيده ان مقعد المعارضة يتوق اليهم، كما يتوقون اليه، لأنهم يرفعون قيمته من جهة، ويجعلونه عندما يختارون الذهاب اليه، قبلة ومحجا حتى لأهل الحكم، وهم بلا شك، سيكونون فيه يوما ما ما كان وليد جنبلاط يبغي زيادة قوته حين دعى لعودة المهجرين قبل اتفاق الطائف ولا حين مشى في التحالف الرباعي ولا حين أعطى للغير ما كان بلا جدال، بل ما كان يعتبره الجميع حقا غير قابل للتنازل.
ولا حين وافق على اتفاق الدوحة ولا حين أعاد إعمار الكنائس ولا حين احتفظ بموجودات وأيقونات وكتب وتراث الأديار وأهمها دير المخلص، ليعيدها دون طلب من احد فور انتهاء الحرب الى أصحابها بعد ان حفظها من اي نهب او ضياع كلها توجهات وأفعال لزيادة القيمة الوطنية.
“لو دامت لغيرك ما آلت إليك السلطة” كالدنيا فان كانت لك فلا تبطر وان كانت عليك فاصبر فكلاهما سينحسر.
اما الذاكرة فهي الصديق الذي اذا خانك، تعرضت للدغ من الجحر الف مرة لا مرتين فقط.
(الأنباء)