جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

التوترات السياسية في اقصى شرق آسيا تتشعَّب في اكثر من إتجاه، برغم التعاون الذي ظهر في جلسة مجلس الامن الدولي يوم الاثنين 13/2/2017 بين الدول الكبرى المعنية على هامش مناقشة قضية التجربة الصاروخية الكورية الشمالية الجديدة، حيث وافقت كل من روسيا والصين والولايات المتحدة الاميركية واليابان على صيغة قرار؛ حضيَّ بموافقة الاعضاء ال 15 في المجلس، وتضمَّن تحذيراً لبيونغ يانغ من مغبة تكرار التجارب التي تخرُق القوانيين الدولية، لأنها ستلاقي خطوات رادعة وعملية في المستقبل.

وعلى خلفية الازمة الكورية الشمالية، تتفرَّع مُشكلاتٍ أُخرى بين دول المنطقة المعنية الكُبرى. فبعد تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب التي اشارت الى ضرورة التعامل بحزم وشِدَّة مع المُشكلة الكورية الشمالية؛ تناقلت وسائل الاعلام الروسية معلومات عن نية بإقامة قواعد عسكرية اميركية على احدى جُزر الكوريل المُتنازع عليها بين روسيا واليابان بطلب من الأخيرة، لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية، لكون الجزُر قريبة من حدودها.

على أثر هذه التسريبات – او لإسبابٍ أُخرى – اصدر رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف قراراً  في 11/2/2017 تضمَّن إطلاق تسميات جديدة على جزر الكوريل الاربعة، تمحي الاسماء القديمة التي تعتبر اقرب الى الثقافة اليابانية، وهي : ايثوروب وكوناشير وهايوماي  وشيكوتان، و تُسمي مذكرة مديفيدف احداها ” كوزماديرتفيانكو ” وهو الاسم الجنرال السوفياتي الذي وقَّع معاهد ة إستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، وأُخرى باسم ” اليكسي غيتشكو ” وهو الجنرال السوفياتي الذي قاد الحرب على اليابان في العام 1944. وبطبيعة الحال؛ فإن مثل هذه الاسماء لا ترتاح لها  طوكيو، لا سيما لكون الجزُر الاربعة تمَّت إعادتها الى السيادة السوفياتية بموجب معاهدة بوتسدام التي انهت الحرب العالمية الثانية.

جزر كوريل الاربعة ومُلحقاتها؛ تنتشرعلى مسافة 1200 كلم بين البلدين في اقصى الشرق، ورغم مساحاتها المتواضعة (حوالي 15 الف كلم مربع ) فهي تحوي مع مياهها الاقليمية كميات كبيرة من النفط والغاز والمعادن.

كانت ملكية الجُزر محل تنازُع دائم عبر التاريخ بين روسيا واليابان. فبعد ان لحظتها اتفاقية التجارة بين البلدين في العام 1855 على كونها يابانية؛ اعادت روسيا السيطرة عليها، ومن ثمَّ احتلها القوات اليابانية في حرب العام 1905 بين البلدين. وفي العام 1945 احتلتها القوات السوفياتية، واعادتها الى خارطة الروسية بعد توقيع معاهدة هزيمة اليابان في بوتسدام.

اليابان تتعامل مع الجزر الاربعة كونها مُحتلة، ولكن بواقعية، ولا تريد ان تكون سبباً لحربٍ جديدة بينها وبين روسيا. في العام 1956 وقعت اليابان والاتحاد السوفياتي اتفاقية تقاسمت بموجبها الدولتان الجُزُر: إثنتان منها لليابان وإثنتان للإتحاد السوفياتي، لكن موسكو عادت وتحلَّلت من الاتفاقية المذكورة، بسبب المعاهدة التي وقعتها اليابان مع الولايات المتحدة الاميركية، والتي تُشير الى السماح لواشنطن بإقامة قواعد عسكرية على الاراضي اليابانية؛ وذلك الامر تخشى منه موسكو.

استمرَّت روسيا بممارسة السيادة على الجُزر الاربعة بعد إنحلال الاتحاد السوفياتي لأنها ورثهُ بموجب القانون الدولي. وقد تبادل الطرفان الياباني والروسي مجموعة من الافكار التي تتعلق بحلّ النزاع على الجُزُر، من دون ان يؤثر الموضوع سلباً على العلاقة بين البلدين الكبيرين. وكان أخر ما توصلت اليه دبلوماسية الدولتين؛ إعلان نوايا صادقة خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى اليابان في 15/12/2016، واستمرَّت المباحثات بين البلدين على إثر هذه الزيارة الى ان حصل اتفاق على إقامة أنشطة اقتصادية مشتركة بين البلدين على الجُزر، بما فيها السماح لإنتقال السكان الاصليين من دون قيود؛ وقد تمَّ الاعلان عن تشكيل مجلس وزاري من البلدين للإشراف على هذه الانشطة في 7/2/2017.

قرار مدفيديف بإطلاق تسميات جديدة على الجُزر الاربعة؛ اثار إمتعاض طوكيو. وقال رئيس وزراء اليابان شينزو آبي: ان الحكومة ارسلت احتجاج رسمي على هذه الإجراءات الروسية عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية، مُعلناً: ان بلاده لا تريد العودة الى الوراء، وهي راغبة في إقامة افضل العلاقات مع موسكو، والزيارتين التي قام بها ( آبي ) الى كل من سوتشي في مايو/ايار 2016 والى فلاديفوستوك في سبتمبر/ايلول 2016 والتقى خلالها الرئيس بوتين؛ كانتا مُثمرتين، وارستا – مع المباحثات التي جرت في اليابان خلال زيارة بوتين نهاية العام الماضي – اشكالاً من التعاون المقبول بين البلدين الجارين.

يبدو ان حساسية الحسابات الاستراتيجية الدولية التي الغت مفاعيل اتفاقية تقاسُم الجزر في العام 1956؛ هي ذاتها التي تُعيد اليوم تقويض الاتفاقات التي حصلت بين موسكو وطوكيو حول الجُزر، وآخرها اتفاق 7 فبراير/شباط 2017.

الكلام عن إقامة قواعد عسكرية اميركية على جزر الكوريل لمواجهة الاخطار الكورية الشمالية؛ أثارت موسكو. والاخيرة لا يمكن لها التسامح في مثل هذه الخطوات، لأن الامر يتعلَّق بأمنها القومي الاستراتيجي، خصوصاً في ظُل اجواء غير واضحة تغلُب على العلاقات بين موسكو وواشنطن حتى الآن، حيث ان عبارات الثناء – او الغزل – التي حصلت بين الرئيس ترامب والرئيس بوتين لم تُترجم على واقع العلاقات الرسمية بين الدولتين الكبيرتين اللدودتين.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية