بعد فشل الآستانة هل يشرّع “جنيف 4”  أبواب الحل السياسي؟

تتجه الأنظار الدبلوماسية إلى مدينة بون الألمانية حيث يُعقد لقاء بين وزراء خارجية “مجموعة أصدقاء سوريا” ونظيرهم الأميركي ريكس تيلرسون، على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة في مجموعة العشرين، لتلمس معالم السياسة الجديدة لإدارة دونالد ترامب إزاء سوريا بعد لقاء تيلرسون نظيره الروسي سيرغي لافروف، والتحضير لمؤتمر جنيف 4 المتوقع انعقاده في 23 شباط الجاري وفق الدعوة التي وجهها المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، لا سيما بعد فشل المشاركين في مؤتمر أستانة 2 الاتفاق على آلية لضمن وقف إطلاق النار، على الرغم من التعهد الروسي الشفهي وقف الغارات الجوية على مناطق المعارضة السورية، وتأكيد الخارجية الروسية “الاتفاق على تشكيل لجنة روسية تركية إيرانية لمراقبة وقف إطلاق النار.

وكان اجتماع آستانة الذي عُقد متأخراً يوماً عن الموعد المحدد سلفاً بسبب خلافات بين تركيا والمعارضة من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، تبادل بعده وفدا النظام  والمعارضة الاتهامات في شأن المسؤولية عن عدم التوصل إلى اتفاق لتثبيت وقف النار وآلية تسجيل الخروق والرد عليها، في وقت أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو “انتهاء المواجهات المباشرة بين القوات النظامية والمعارضة المعتدلة، مشدداً على ضرورة وضع خرائط فصل الإرهابيين عن المعتدلين”.

وقال المبعوث الروسي لسورية ألكسندر لافرنتيف في مؤتمر صحفي بعد انتهاء اجتماع أستانة، أن مفاوضات أستانة يغلب عليها قلة الثقة بين وفد النظام والفصائل المسلحة. وأكد أن مفاوضات أستانة يجب أن تكون قاعدة وأساس قبل الذهاب لمفاوضات جنيف، وأن الأطراف الداعمة اتفقت على فرض عقوبات على أي طرف يقوم بخرق وقف إطلاق النار، وأكدت على وحدة الأراضي السورية ونرفض أي خرق للحدود، ودعم جهود دي مستورا لحل الأزمة السورية، مشيراً إلى أن “الوفد التركي المشارك في أستانة كانت له كافة الصلاحيات ولم نتأثر بضعف التمثيل، بالرغم من أن نظام الأسد ينظر للحملة العسكرية التركية باعتبارها عدوانا”.

وكان المتحدث باسم الخارجية في كزاخستان أكد في خلال جلسات المفاوضات أن المباحثات، التي تشارك فيها روسيا وتركيا وإيران كدول ضامنة، ويحضرها وفد من الأمم المتحدة وآخر من الأردن بصفة مراقب، ستتناول آليات تنفيذ وقف النار والرقابة على الالتزام به.

وبعد مفاوضات شاقة مع الجانب الروسي استمرت أربع ساعات، أعلن رئيس وفد المعارضة السورية، محمد علوش، أنه “سيتم نقل المفاوضات حول آليات وقف إطلاق النار إلى أنقرة” من دون تحديد الموعد. وقال علوش في مؤتمر صحافي في آستانة: “تلقينا وعودا من موسكو بإيقاف القصف على مناطق المعارضة، وأنهم سيرسلون لنا جدول أعمال لفك الحصار عن الغوطة الشرقية على أن تصلنا عبر الضامن التركي، كما طرحوا آلية سريعة للإفراج عن المعتقلين تبدأ بتسليمهم لائحة من مائة اسم، وهو ما سنعمل على دراسته”. وفيما أكّد رفض المعارضة أي دور إيراني شدّد على “ضرورة أن يكون هناك دور أساسي للمجموعة العربية؛ السعودية والأردن وقطر والإمارات العربية”.

وفي وقت اعتبرت مصادر في المعارضة أن مؤتمر آستانة كشف “عمق الخلافات بين الطرفين الراعيين، تركيا وروسيا”، أشار إلى أن “تركيا كما المعارضة رفضت حتى البحث بالوثيقة الجديدة التي قدمتها موسكو”، رأت المصادر أن فشل مؤتمر الآستانة، لا يحول دون مشاركة المعارضة السورية في مفاوضات جنيف4 الأسبوع المقبل، سيما وأن الفرصة متاحة لاختبار التعهدات التي قطعتها روسيا في الآستانة، موضحا أن لا قرار بمقاطعة جنيف، وأضاف: “الوضع دقيق، روسيا تبحث عن سبب لاستبدال وفد الهيئة الممثلة للمعارضة بوفد آخر يحقق أهدافها”، متمنياً أن لا تكون مفاوضات جنيف أكثر سوءا من مفاوضات الآستانة.

وفيما لا تزال العقبات المختلفة تعصف بمصير “جنيف4″، لا سيما لناحية جدول الأعمال وطبيعة الوفد الممثل للمعارضة السورية، كشفت مصادر دبلوماسية لـ”الأنباء” أن “عقدة تشكيل الوفد الموحد الى جنيف ستبحث في لقاء يجمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في ميونيخ، على هامش اعمال المؤتمر الدولي للأمن حيث تسعى روسيا الى تمثيل المعارضة السورية بوفدين معارضين في مقابل وفد النظام، الأول هو وفد الهيئة العليا للمعارضة الذي شكل في نهاية الأسبوع الماضي، والثاني يمثل المعارضة المقربة من موسكو والقاهرة وممثلين عن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، وهذا ما ترفضه المعارضة السورية ومجموعة أصدقاء الشعب السوري”.

الخلافات الروسية الأممية على تركيبة الوفد المعارض ليست النفطة الخلافية الوحيدة، التي تهدد انعقاد “جنيف 4″، فروسيا تطالب أن يتركز البحث على المسائل المتعلقة بصوغ الدستور الجديد وإجراء الانتخابات، وتعتبر الخارجية الروسية أن “القرار الدولي الرقم 2254 هو الوثيقة الوحيدة التي تحدد اتجاهات تسوية الأزمة السورية”، فيما يرى المبعوث الدولي دي ميستورا أن “التغيير في جدول أعمال جنيف سيفتح أبواب الجحيم”، وهو ما تعتبره المعارضة أيضاً تهديدًا موجهًا لها، لإصرارها على التمسك بتراتبية الأولويات التي تبدأ من البحث في الانتقال السياسي، ومن ثم الدستور والانتخابات الرئاسية.

وفي هذا السياق، أكد سالم المسلط، المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، “أن المعارضة السورية تريد مفاوضات مباشرة في “جنيف”، اختصارا للوقت ولإنهاء معاناة الشعب السوري”، لافتاً إلى أن الهيئة لم تتلق حتى الآن جدول أعمال المفاوضات، وأن “المعارضة لا تقبل ببقاء بشار الأسد في السلطة حتى ولو خلال المرحلة الانتقالية، وأن بقاء الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية أو مستقبل سوريا، يعني توجيه انتكاسة كبيرة للتضحيات التي قدمها الشعب السوري”.

مما لا شك فيه أن ظروف انعقاد مؤتمر جنيف بالنسبة للمعارضة ولكل السوريين، ليست ظروفًا مثالية للحل السياسي في علاقتها مع مطالب السوريين، لكنها ليست الأسوأ. ففيها عوامل إيجابية كتوافق أغلبية السوريين وجماعاتهم أنه لا حل للأزمة السورية إلاّ الحل السياسي، وهذا يترافق مع زخم إقليمي ودولي للسير باتجاه الحل ومحاطة بتوافق عام لمحاربة الإرهاب على أشكاله أكان جماعات متطرفة أو أيديولوجية مولدة للتطرف ونهج القوة المتوحش الذي يسلكه النظام السوري وحلفائه.

لقد بات كل السوريين أمام تحدي تجاوز أخطاء الماضي، وفتح بوابة تفكير وأداء مختلفين في المرحلة الراهنة وباتجاه المستقبل، يؤسس لاستعادة السلام السوري المفقود وعودة المهجرين والنازحين ومعالجة أوضاعهم الإنسانية والمعيشية وطرح قضية المفقودين على بساط البحث، وإطلاق المعتقلين ووضع سوريا على قاعدة الانتقال نحو نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.

(*) فوزي ابو ذياب – “الأنباء”