عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

 لا يمكن التقليل من مستوى الشحن السياسي الذي كان سائداً في منطقة الجبل من جراء المواقف التي أُطلقت حول قانون الإنتخابات النيابية. وساهم الإنفلات الواسع على شبكات التواصل الاجتماعي في تأجيج الإحتقان، وكان لبعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة دور كبير في توسيع مساحة التباينات بين الشرائح الإجتماعية المختلفة، لاسيما بين المقرَّبين من التيار الوطني الحُر وبين المُقربين من الحزب التقدمي الإشتراكي، مُضافٌ اليهما اعداد واسعة من المُغتربين الذين يتابعون الاوضاع في لبنان عن كثب عبر وسائل الاتصالات الحديثة، ومن خلال صفحات التواصل الإجتماعي الالكترونية.

لكن قبل نهار الاحد الماضي في 5 شباط، كان الوضع على شيء من التوتر، وبعده اصبح على شيءٍ آخر من الهدوء. ففي ذلك الأحد، وعلى غير ما كان متوقعاً من بعض المُتحمسين، او من بعض المتضررين، القى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خطاباً امام المؤتمر العام الـ 47 لحزبه، قال فيه: “صوتّنا للعماد ميشال عون رئيساً، ونشارك معه في الحكم بوزيرين، ونتمنى ان يتفهمنا، ونتفاهم معه على قانون إنتخاب، ونُجري سوياً الإنتخابات في موعدها في الربيع، وفق قانون الستين؟ ليس بالضرورة (كما قال)، او وفق الستين مُعدلاً، إذا صح التعبير، او ان نتعاون معه على تطبيق ما جاء في وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، لناحية البدء بإالغاء الطائفية السياسية (مع التمسُّك بأن يبقى الرئيس من المسيحيين) وتشكيل مجلس شيوخ يُمثل الطوائف”.

واشار جنبلاط الى اولوية المحافظة على مصالحة الجبل فوق كُل إعتبار، والى مد يد التعاون الى كل القوى السياسية، لا سيما الى التيار الوطني الحر، نافياً ان يكون هناك خطر وجودي على اي من المكونات التي يتشكَّل منها الإجتماع اللبناني.

لا يوجد اي نوايا خلافية عند جنبلاط تجاه رئيس الجمهورية، كما يؤكد مُقربون منه، وجنبلاط قبل  غيره، أعلن عن تأييده له، وإستعداده لمساعدته. لكن الذي  أثار الإمتعاض لدى غالبية ابناء الجبل، شعورهم بالتهميش، والقول: ان جنبلاط يُصادر مقاعد المسيحيين في الجبل، مع العلم ان كتلة اللقاء الديمقراطي متنوعة، والتعاون مع كافة الاحزاب المسيحية كان قائماً، ويتمسَّك فيه جنبلاط اليوم اكثر من اي وقتٍ مضى.

ومقولة ان النواب المسيحيين في اللقاء الديمقراطي لا يمثلون المسيحيين، تدحضها الارقام. ففي آخر إنتخابات جرت العام 2009 مثلاً، حصل النائب هنري حلو (عن المقعد الماروني) في قضاء عاليه على 7009 صوت (اي 48%) من المقترعين الموارنة في القضاء، بينما حصل منافسه على ذات المقعد الوزير سيزار ابي خليل الذي ينتمي الى التيار الوطني الحر، على 7186 صوت من المُقترعين الموارنة في ذات القضاء (اي بالتساوي تقريباً)، والامر ذاته ينطبق في الشوف على النائب ايلي عون الذي ينتمي الى كتلة اللقاء الديمقراطي، حيث حصل عون على 8136 صوت (اي 43%) من المُقترعين الموارنة في القضاء، بينما حصل منافسه مرشح التيار الوطني الحر ناصيف القزي على 8095 صوت منهم، اي نفس النسبة تقريباً، وهذا ينطبق على النواب الآخرين إجمالاً.

  يقول المقربون من رئيس اللقاء الديمقراطي: إن إعتماد قانون إنتخابي نسبي على قاعدة توزيع المقاعد طائفياً صعب التطبيق في الواقع اللبناني، وسيُشجع الناخبين الى الإقتراع، كلٌ الى طائفته، وبالتالي سيساهم الامر في شرذمة إجتماعية تُفكِّك مع الوقت صيغة التعاون والعيش المشترك، وينتج عنه كتل نيابية طائفية ومذهبية صافية تشوِّه الحياة السياسية اللبنانية.

ويقول المقربون ذاتهم: ان عدد من الاقطاب المسيحيين تحدثوا الاسبوع الماضي عن خطة لإلغاء الآخر في الوسط المسيحي، والمتهمون بمحاولة الإلغاء هم أنفسهم يُعلنون حرصهم على التنوع  داخل البيئة الدرزية، علماً انه لا يوجد حصرية تمثيل في هذه البيئة، فالحزب الديمقراطي بزعامة النائب طلال ارسلان موجود، كذلك الحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي والحركة اليسارية اللبنانية وشخصيات مُستقلة، اما مشكلة بعض الاصوات الأخرى التي تنتمي الى حقبة الوصاية، فهي في كونها تُعبر عن رأي مستورد من خارج البيئة الدرزية، ومعظم هؤلاء سبق ان تعاملوا مع الخارج، ويعملون لحساب هذا الخارج للإنتقام من جنبلاط، كما ان إعتمادهم على اسلوب الميليشيات والمواكب (المُفيمة) وتوزيع رخص السلاح على “سرايا” المواكبة، نفَّرَ اغلبية المواطنيين من ممارساتهم التي قد تُهدِد الاستقرار الذي يحرص عليه العهد الجديد كما نعتقد (ودائماً وفقاً لكلام هؤلاء المُقربين).

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي