إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

بعد انتهاء القطبية الثنائية في العام 1990، على أثر انفراط عقد الاتحاد السوفييتي السابق؛ دخل العالم في مرحلة غَلَبت عليها سِمة الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة، وشهد العالم حروباً وفوضى في أكثر من مكان، كما شهِد محاولات مُتعدِدة من قبل أقطاب دوليين للخروج من خناق الأحادية القطبية إلى عالم مُتعدِد الأقطاب، بدأت مع التفعيل المُتسارع لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، لا سيما التي تهتم بالشؤون الدولية والخارجية، كما أطلق خمسة أقطاب دوليين حركة مؤثِرة عام 2010 في مواجهة التفرُّد الأمريكي، سُميت مجموعة «بريكس» التي تضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا.
بعد مرور 25 عاماً على ولادة الأحادية القطبية؛ بدأت معالِمها تتفكَّك، وكان مخاض السنتين المنصرمتين واضحاً لناحية ولادة مقاربة دولية جديدة تُنهي مشهد الربع قرن الماضي. وما جرى في سوريا تحديداً بعد التدخُل العسكري الروسي المباشر منذ خريف 2015 وتطور الأحداث في أوكرانيا، إضافة إلى محطة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي؛ كانت كلها مؤشرات واضحة على إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية.
وفي صورة جديدة تستكمل مشهد التغييرات الدولية؛ جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخريف الماضي، والتي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ووصوله تأكيدٌ إضافي على هذا الخلط للأوراق في العلاقات الدولية، نظراً للمواقف التي أعلنها تجاه مجموعة من القضايا التي تهم العالم أجمع.
تختلف بعض التحليلات التي تُقارب مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض. فالانطباع السائد أن هذه العلاقات ستتطور نحو الأفضل، نظراً للغزل الشخصي الذي مارسه الثنائي: بوتين ترامب عن بعضهما البعض قبل الانتخابات الأمريكية، والذي استمرَّ لما بعد تولي ترامب للرئاسة، وتعززت لُغة التفاؤل بعد تعيين ريكس تيليرسون، الصديق الشخصي للرئيس الروسي بوتين في وزارة الخارجية الأمريكية.
بالمقابل؛ فإن مجموعة من المُعطيات قد تُغيِّر صورة المشهد في العلاقات بين الدولتين العظميين. وقد تكون أبرز هذه المُعطيات كلام ترامب عن إنشاء مناطق آمنة في سوريا لتأمين عودة اللاجئين السوريين من الشتات إلى سوريا، من دون أن يتعرَّضوا لاضطهاد، أو للخطر، كما أن التخفيف من حدَّة الهجرة إلى الغرب، من ضمن الأهداف التي تُحقِقها خطة إنشاء المناطق الآمنة. لا يبدو أن مشروع ترامب هذا مُنسقاً مع موسكو، والأخيرة بطبيعة الحال؛ تخشى من تأثيرات هذا المشروع على المستقبل السياسي والعسكري للأوضاع في سوريا، والكرملين يتصرَّف على أنه مُنتصر في سوريا إلى الحدود الدُنيا أيام الرئيس باراك أوباما.
والقضية الأخرى التي قد تُثير خلافاً مستقبلاً بين موسكو وواشنطن فهي مسألة تجديد العقوبات الغربية على روسيا، والتي فُرضت بعد أن ضمَّت موسكو جزيرة القُرم إلى السيادة الروسية في ربيع العام 2014. فالرئيس ترامب وافق على تجديد العقوبات، برغم أنه لم يُقفل الباب أمام إعادة النظر فيها في المستقبل. كما أنه لم يتخِذ أي خطوات ملموسة حتى الآن لمعالجة موضوع طرد الدبلوماسيين الروس من واشنطن في الأيام الأخيرة لأوباما في البيت الأبيض، على خلفية التجسُّس والتدخُل في الانتخابات.
موسكو أعلنت أكثر من مرَّة أنها على استعداد كامل للتعاون مع واشنطن في مختلف الملفات الدولية، بما في ذلك سوريا. كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تُبد أي تحفُّظ على إعادة العلاقات الأمريكية الروسية إلى المربع الذي يضمن مصالح البلدين. لكن تقديرات الخبراء والمُتابعين؛ لا تخفي تخوفها من عدم قدرة الرئيسين الأمريكي والروسي على تجاوز مجموعة من النقاط العديدة التي تتعارض فيها مصالح البلدين، منها على سبيل المثال: ملف العلاقات مع الصين، حيث الأخيرة حليف لروسيا، بينما تشهد علاقاتها توتراً مع الولايات المتحدة، كذلك حول ملف أوكرانيا وملف كوريا الشمالية.
واضح جداً حتى الآن؛ أن هناك خلطاً واسعاً للأوراق في العلاقات الدولية، والتغييرات التي ستحصل ستقضي على مُعظم الأعراف التي أرستها الفوضى الدولية خلال ال25 سنة الماضية. ولكننا قد نكون أمام فوضى أكثر حِدة، أو أن التحالفات الدولية ستتغيَّر بالكامل إذا ما أنتجت الانتخابات التي ستجري في أكثر من دولة أوروبية هذه السنة؛ طاقماً سياسياً دولياً تأخذهُ الحماسة القومية أو العنصرية أكثر مما يتأثر بالاستقرار الدولي.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية