مؤتمر باريس ونقل السفارة

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

تحوَل مؤتمر باريس الدولي، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في 15/1/2017 إلى تظاهرة مناهضة لقرار الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب القاضي بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، تلبية لوعد كان قد التزم به أمام بعض الناخبين من الحركة الصهيونية. وكاد البيان الختامي الصادر عن المؤتمر أن يذكر رفضه لنقل السفارة؛ على أنه «يخرب مسيرة السلام» لولا تدخل وزير الخارجية الأمريكي (المنتهية ولايته) جون كيري؛ متمنياً على الحاضرين عدم الإشارة إلى هذه المسألة، لأنها تعتبر شأناً داخلياً سيادياً، غامزاً من قناة الإدارة الأمريكية الجديدة، على اعتبار أن مثل هذا الوعد بنقل السفارة سبق أن قطعه رؤساء أثناء الحملة الانتخابية؛ ولكنه لم ينفَذ.
مؤتمر باريس الذي حضره مندوبون عن 70 دولة ومنظمة دولية معنية؛ كان مخصصاً لمناقشة عملية السلام في الشرق الأوسط، وتحديداً موضوع الحل العادل للقضية الفلسطينية. «إسرائيل» رفضت حضور المؤتمر، ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هاجم المبادرة برمتها، واعتبر الاجتماع: «مناورة فلسطينية برعاية فرنسية» والهدف «الإسرائيلي» بالرفض واضح لكون العدوانية عند قادة «تل أبيب»، ترفض أي تقييد لحركتها في استباحة الأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، وهي تحاول الاستفادة إلى أقصى الحدود من الفوضى المحيطة بها جراء الحروب العبثية التي تشغل العرب في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
البيان الختامي لمؤتمر باريس؛ أشار إلى مجموعة من البنود المهمة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتحقيق السلام العادل والشامل بين الفلسطينيين «والإسرائيليين» ولإنهاء الصراع العربي – «الإسرائيلي»، وأهم هذه البنود: تبني العودة إلى مندرجات مبادرة قمة بيروت العربية في عام 2002، كذلك الإشارة إلى حدود ما قبل العدوان «الإسرائيلي» في عام 1967، مع تبني اقتراح الحل الذي يعتمد على مبدأ الدولتين، على أن تكون المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين «والإسرائيليين» هي القاعدة التي يجب أن تعتمد للوصول إلى الاتفاق.
العدوانية «الإسرائيلية» هاجمت هذه المبادرة الدولية، إلا أن ذلك لا يعني التقليل من أهمية ووزن مقررات مؤتمر باريس، لأنها صادرة عن إرادة دولية جامعة، تمثلت في الاجتماع، بما في ذلك حضور وزير الخارجية الأمريكي كيري، ولا يعني تحفظ وزير الخارجية البريطاني عليها؛ أن المبادرة فقدت أهميتها، لأن بريطانيا كانت قد وافقت سابقاً على حل الدولتين، وعلى المفاوضات المباشرة، وأيدت مبادرة قمة بيروت العربية، وهي لم تعترض على القرار رقم 2334 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2016، الذي أدان استمرار الاستيطان «الإسرائيلي» ودعى إلى وقف البناء على الأراضي الفلسطينية، في القدس وغير القدس.
الحكومة «الإسرائيلية» المتشددة؛ كانت تعول على التأييد الكبير الذي أعلن عنه الرئيس ترامب ل «إسرائيل»، وتفاءلت في تعيين ترامب للمحامي اليهودي المتطرف ديفيد فريدمان سفيراً لبلاده في «إسرائيل»، لأن فريدمان الذي كان مستشاراً لترامب للعلاقة مع «إسرائيل»؛ معارض للحل الذي يستند إلى مبدأ إقامة الدولتين، وهو مهندس لاقتراح نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، وكانت أولى تصريحاته بعد تبليغه قرار تعيينه سفيراً؛ تشير إلى رغبته للعمل من القدس.
مقررات اجتماع باريس، والمداولات التي جرت في أروقته – خصوصاً منها التي طالبت الإدارة الأمريكية الجديدة بسحب اقتراح نقل السفارة من التداول – سيكون لها تأثير كبير في التوجهات الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، لاسيما تجاه القضية الفلسطينية العادلة، ذلك أن اصطدام إدارة ترامب مع الإرادة الدولية الجامعة، سيكون مكلفاً لهذه الإدارة. وسيكتشف مساعدو ترامب؛ أن التصريحات الانتخابية شيء، وواقع الساحة الدولية شيء آخر. وواشنطن تحتاج إلى حلفاء في تنفيذ سياستها في أماكن أخرى من العالم – خصوصاً في جنوب وشرق آسيا – وبالتالي فهي ملزَمة بالحفاظ على هؤلاء الحلفاء.
العدوانية «الإسرائيلية» كانت تعتمد باستمرار على الدعم الأمريكي، ولولا السلاح الأمريكي والمعونات الاقتصادية؛ لما كان لتل أبيب أن تقوم بهذا الدور العدواني الذي يفوق حجمها، لكن الدعم المالي والعسكري شيء، وتحدي الإرادة العربية والإسلامية والدولية بنقل السفارة؛ شي آخر.
الأمم المتحدة؛ لا تعترف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن – بما في ذلك القرار 242 – تطالب «إسرائيل» بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس. فهل يستطيع ترامب القفز فوق الشرعية الدولية برمتها، وتجاوز كل الاعتبارات القانونية والواقعية لإرضاء نزوة التطرف لديه ولدى بعض المحيطين به؟ ذلك بطبيعة الحال؛ صعب جداً، وإذا ما حصل سيؤسس لفوضى دولية كبيرة وعارمة، لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة على المدى البعيد.
الوزير كيري؛ اتصل برئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو من باريس وطمأنه إلى استمرار الدعم الأمريكي وقال: إن موقفه المعارض، كان وراء عدم ذكر البيان الختامي لمؤتمر باريس معارضة نقل السفارة. لكن رده المتغطرس والعدواني كان: أن المؤتمر برمته كان خدعة، مهاجماً كيري لعدم استخدام حق الفيتو ضد قرار وقف البناء.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية