زيارة أعادت لبنان الى عمقه العربي

فيصل مرعي

لكل زمن خصوصيته وحيثيته، ولكل وقت دلالاته وأبعاده. ولكل موسم قطاف. وها قد حان وقت القطاف، باستعادة الوطن الى حضنه العربي. ولعل زيارة رئيس الجمهورية، ميشال عون الى المملكة العربية السعودية، لها من الدلالات والابعاد الكثير الكثير على كل الصعد الاقتصادية، والاستثمارية.. واعادة وصل ما انقطع، ما يعني طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة. وهذا، من البديهي، والطبيعي ان يحصل، اذ لا يمكن ان يستمر لبنان الا ببسط جناحه نحو العمق العربي. فالجميع في هذه اللحظات يتطلع الى اعادة لبنان الى المنظومة العربية، واصلاح ما بين ذات البين، وعودته الى مكانه الطبيعي. واذا كان لبنان في فترة من الفترات، قد حالت بينه وبين اخوانه العرب، بعض التوترات، ما سبب نأياً وجفاء ، فإنما كان ذلك اشبه بزوبعة في فنجان، مرت دون احداث خلل في العلاقات البنيوية بينه وبين اشقائه العرب. فلبنان اشبه بكسيح في حال جرد وعزل عن محيطه العربي، وهذا لم يرده لبنان يوماً، اذ لا عيش له، ولا مكان له بعيداً عن جذوره العربية وعمقه العربي، فهو ملتصق بالعروبة كالتصاق اللحم بالدم. إن لبنان، هوية وحرية، عربي الهوى والانتماء، انسانياً، ووطنياً ومصيراً مشتركاً و… فهل من المنطق، ان يشاهد لبنان بعض الدول العربية تتهاوى الواحدة تلو الاخرى، دون ان يرف له جفن، لمِاَ يجري من حروب قد لا تبقي ولا تدر، قد تطاله بغفلة من الزمن. لا . لا. فلبنان في عين العاصفة كغيره من البلدان العربية، فضلاً عن انه يتألم لآلامهم، ويعاني لمعاناتهم. فهو والفصحى بنو رحم، وفي بلاد الشرق اخوان ، خاصة وانه الاكثر تضرراً مما يجري من حروب تدور رحاها بمحاذاته.

وعلى هذا، فإن زيارة الرئيس عون الى المملكة، هي فاتحة خير على ما نعتقد، لا سيما لجهة توطيد العلاقات اللبنانية- السعودية، التي لم تصل الى مرحلة العداء، بل كان هنالك نوع من الالتباس، وعدم وضوح الرؤيا في وقت كان يلفه الغموض عربياً ودولياً. وكما السعودية كذلك بقية دول مجلس الخليج العربي، لا يمكن الاستغناء عنها، أكان على المستوى الاقتصادي – الدبلوماسي- او على مستوى التبادل: الثقافي والسياحي.. انطلاقاً من ارتباط لبنان بعمقه العربي منذ قبل التاريخ. زيارة منحت العهد الجديد دعماً كبيراً على كل الاصعدة والمستويات، عربياً ودولياً، من خلال اقامة واتباع سياسة التوازن داخلياً واقليمياً، ما اكد تمسكه بسياسة النأي بالنفس، وابتعاده عن صراعات تبعده عن تداعياتها.. بهذا المعنى، الزيارة اكدت على احترام خصوصيات كل من البلدين، وعدم المساس بمصالح الدولتين، وخصوصيتهما. وهذا، ان دل على شيء، فإنما يدل اكثر ما يدل على ازالة الهواجس والتحفظات السابقة.

بهذا، عاد لبنان للإجماع العربيِ وعادت المياه الى مجاريها. مبادرة تجاوزت التمنيات والعواطف، الى تحسين وتوطيد العلاقات بين البلدين. مبادرة لم تكن لولا نية الدولة في اتباع نهج الانفتاح، والتواصل، والحوار، وقبول رأي الآخر، وصولاً الى قواسم مشتركة، لا سيما لجهة الالتقاء على قاعدة القضية والمصير.

زيارة ستؤتي ثمارها آجلاً، ام عاجلاً، لا سيما وان لا خيار للبنان الا العروبة، ودورانه في الفلك العربي، خصوصاً وان لا قيامة لدولة عربية بمفردها، ولا تقدم الاّ بالتكامل على كل الاصعدة والمستويات. وفي هذا المجال، نعود فنذكر بموقف المملكة مع لبنان في الايام الحوالك، وفي الشدائد والصعاب، يوم ساهمت في الحل السياسي، بإقرارها وثيقة الوفاق الوطني، ورعايتها للبنان في كل مفصل ومنعطف. ولولا رعايتها للحل لمَاَ توقفت الحرب، التي كادت ان تقطع اوصال اللبنانيين، ارضاً وشعباً. فلنحفظ الجميل بالمقابل. اللبنانيون قدموا ما استطاعوا من خدمات للملكة يوم هاجروا تأميناً للقمة عيشهم، فأشادوا، وبنوا فأعلوا.. وهكذا، أعادت هذه الزيارة لبنان الى عمقه العربي.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…