ترامب والعلاقات الصينية – الاميركية

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

اولى المفاجآت التي صنعها دونالد ترامب بُعيدَ إنتخابهِ رئيساً للولايات المتحدة الاميركية؛ كان إتصاله الهاتفي مع رئيسة تيوان تساي انغ وين في 8 تشرين الثاني/نوفبر 2016. حاول المقربون من ترامب تخفيف اهداف الاتصال بعد ردة الفعل الشاجبة التي عبرت عنها القيادة الصينية، ولكن تطور الاحداث لاحقاً؛ اكد ان المحادثة لم تكن عفوية، وان الرئيس ترامب يملك بعض التحفظات على العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، ولديه رؤية خاصة لمستقبل هذه العلاقات، قد لا تُرضي الجانب الصيني، او انها قد تؤدي الى تغيير جذري في شكل العلاقة بين البلدين، وفي مضمونها.

الضجة الصينية حول الإتصال مع تساي انغ وين، لم تُثني ترامب عن الإعلان عن استعداده للقائها بعد 20 كانون الثاني/يناير 2017 تاريخ تسلُمِهِ المسؤولية رسمياً، خصوصاً اذا قامت انغ وين بزيارة الى الولايات المتحدة بعد هذا التاريخ.

يبدوا من مجموعة من المؤشرات السياسية؛ ان ترامب غير راضٍ عن سياق العلاقات القائمة بين واشنطن وبكين، وهو تعمَّد اكثر من مرة خلال حملته الإنتخابية وبعدها؛ الإشارة الى التساهُل التي تمارسه إدارة الديمقراطيين برئاسة باراك اوباما مع الصين، مما ادى – برأيه – الى إختلال كبير في الميزان التجاري بين البلدين لصالح بكين، وادى ايضاً الى توسُّع لنفوذ الصين في منطقة شرق آسيا وجنوبها على حساب إنحسار الدور الاميركي، واوضح دليل على هذه الواقعة هو: تجرؤ الرئيس الفليبيني الجديد روديغو دوتيري على التمرُّد على الساسية الاميركية، وفتح قنوات إتصال مع أخصامها في المنطقة، علماً ان الفليبين؛ تعتبر الحليف الاهم لواشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم في جنوب شرق آسيا.

النمو المُتسارع للإقتصاد الصيني يُخيف الشركات الاميركية، ويولِّد الخشية لدى ادارة ترامب الجديدة من وصول بكين الى مكانة تسمح لها بمنافسة واشنطن في ملفات دولية كبيرة، ومنها ملفات امنية وعسكرية، تعتبرها واشنطن من الثوابت التي لا يجروء احد على الإقتراب منها، خصوصاً على سبيل المثال: حرية الحركة في بحر الصين الجنوبي، حيث تنظر اليه واشنطن على انه مياه دولية عامة، بينما اصبحت بكين تعتبر جزء اساسي من جزرِهِ ومياهها الإقليمية؛ من ضمن السيادة الصينية، وقد حصلت عدة حوادث على هذه الخلفية، آخرها مصادرة الصين للغواصة الاميركية، وإعادت تسليمها الى البحرية الاميركية.

ولا يرتاح ترامب وكبار مساعديه الى تجاوز التبادل التجاري بين البلدين عتبة ال 600 بليون دولار، يُقارِب العجز فيه الى النصف لغير مصلحة الولايات المتحدة الاميركية. كما ان الدخل المحلي الاجمالي للصين ينموا بخُطىً مُتسارعة، وقد اصبح الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية، وتجاوز ال 9000 بليون دولار. وإذا كان الدخل الاجمالي المحلي الاميركي بحدود ال 16000 بليون دولار، ذلك لا يعني فارقاً كبيراً، ويُساهم في تقليص التأثير الفعلي لهذا الفارق؛ المستوى المعيشي لكل من الشعبين الصيني والاميركي، فبينما يتكيف الاول مع حياة التقشُّف البسيطة، يبالغ الاميركيون في الإستهلاك، واغلبيتهم إعتادت على حياة البحبوحة والرفاه، وتلك المقاربة تُشكِلُ عامل ضعف للإقتصادات بشكلٍ عام.

ويُساهم في إضعاف عوامل القوة في الإقتصاد الاميركي؛ إعلان ترامب عن رغبته في زيادة الإنفاق في القطاع الحكومي وتخفيض بعض الضرائب لإنعاش الاقتصاد، وهذا بطبيعة الحال سيؤدي الى زيادة في الإستدانة، وبالتالي ستزيد نسبة الدين العام الى الناتج الاجمالي عن ال 75% كما هو عليه الحال اليوم. علماً ان ضغوطاً لا يُستهان بها تواجه ترامب، منها الاحتجاجات التي واجهت فوزه في ولاياتٍ اميركية وازنة، ومنها ولاية كليفورنيا على سبيل المثال، وهي تعتبر اكبر ولاية اميركية من حيث الحجم الإقتصادي، وقد وصل الامر ببعض فعاليات الولاية الى المطالبة بالإستقلال التام عن واشنطن.

الملف الآخر الذي يُساهم في تعكير العلاقات بين ترامب والقيادة الصينية؛ هو موضوع كوريا الشمالية. لا سيما بعد ان اعلنت بيونغ يانغ عن قرب إنتاجها لصواريخ عابرة للقارات ويمكن ان تطال الاراضي الاميركية، وهي قادرة على حمل رؤوس نووية.

فترامب قال: ان الصين تستفيد الى ابعد الحدود من الولايات المتحدة الاميركية، وهي تبيع منتجاتها في الاسواق الاميركية، ولا تبذل اي جهد لضبط التهوُّر الكوري الشمالي – على حدِ تعبيره .

التحدي الكوري الشمالي لسياسة ترامب؛ قد يفرض عليه خارطة طريق جديدة، يتجاوز فيها اغلبية ما اعلنه إبان حملته الإنتخابية. فالصين ليست وحدها مَن يحمي الإندفاعة الكورية، بل ان موسكو تتوافق مع بكين حول الملف الكوري، سواءً من قبيل المجاملة لها، او لناحية الحفاظ على العلاقات القديمة التي تربط روسيا بكوريا الشمالية، وهذا الموضوع سيؤثر سلباً على مستقبل العلاقات الواعدة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. وبطبيعة الحال فإن المصالح هي التي تغلُب على الكيمياء الشخصية بين الرؤوساء، لا سيما اذا كان الامر يتعلق بقضايا دولية كبيرة، حيث لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة؛ بل مصلحةٌ دائمة.

قد يكون ملف العلاقات الصينية – الاميركية؛ هو الملف الاكثر إثارة في مشهدية النموذج الجديد من الإدارات الاميركية التي تغلِبُ عليها سمةُ الحماسة والإنفعال.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية