اي مسار ستأخذه العلاقات اللبنانية- السعودية بعد قمة الرياض؟

توجت قمة الرياض بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، زيارة الوفد اللبناني الى المملكة العربية السعودية، التي وصفت بالتاريخية، لعمق المحادثات التي تناولتها على أكثر من صعيد، والتي يتوقع ان تظهر نتائجها في الأشهر القادمة على ابعد تقدير، والتي يستبشر بها اللبنانيون خيراً، فالمملكة العربية السعودية كانت ولا تزال السند الأول للبنان، والعمق العربي والاقتصادي الحاضن له ولمؤسساته منذ قيام دولة الاستقلال، وخلال الفورة النفطية التي تزامنت مع الحرب اللبنانية فتحت المملكة أبوابها لليد العاملة اللبنانية بكافة اختصاصاتها ومجالات عملها، كما وفر الاقتصاد السعودي مساحة لعمل الاقتصاديين اللبنانيين واستثماراتهم فيه، ولا ينسى اللبنانيين أفضال المملكة عليهم أيام الشدة قبل وبعد اتفاق الطائف الذي أسس لعودة الاستقرار والإعمار الذي واكبته المملكة ورعته ووفرت له الدعم المالي والسياسي، في المحافل الدولية والعربية وفي مؤتمرات باريس المانحة.

على مدى عقود مختلفة ومع انتقال الحكم في الرياض من ملك إلى آخر، بقيت عين المملكة على لبنان حيث رأت فيه مساحة لتلاقي الحضارات، ونموذجا للعيش المشترك، وعلى الرغم من الخسارة الكبيرة التي أصابت لبنان والمملكة العربية السعودية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تلا استشهاده من أزمات وانقسامات، وبالرغم من ما أصابها من سهام سامة أطلقها بعض اللبنانيين عليها، لم تنس المملكة شقيقها الأصغر، لا بل أبقت علاقتها المتوازنة مع كافة الأطياف، وتعاملت معهم دون تمييز، ووفرت للدولة اللبنانية ما تحتاجه من دعم تربوي وودائع نقدية ومساعدات عينية وأمنية واجتماعية، خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006 وبعده، لما خلفه من تدمير كبير في البنى التحتية.

لم يبادل معظم اللبنانيين، المملكة العربية السعودية بالمثل، لا أساء العديد من القيادات اللبنانية التصرف وأطلقوا الشتائم والإهانات بحق المملكة وقياداتها، واتخذت بعض المحطات الإعلامية منصة لبث سهامها ضد المملكة حكامها، وجند البعض أنفسهم رأس حربة بوجه الرياض في خلافها مع طهران وطموحاتها التوسعية في اليمن والبحرين والعراق وسوريا، وعلى الرغم من سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية في تعاملها مع الأزمة الإقليمية والصراع الإيراني – السعودي، لم توفر السياسة الخارجية اللبنانية في مرحلة الفراغ الرئاسي الفرصة من انتقاد المملكة العربية السعودية والخلاف معها لا سيما في الاجتماعات العربية.

لقد ألحقت هذه المواقف ما تبعها من مشاركة ميدانية لمقاتلين لبنانيي في الحرب اليمنية، وانكشاف مشاركة بعض اللبنانيين في الخلايا النائمة المؤيدة لإيران في بعض الدول العربية الخليجية، الضرر بلبنان واللبنانيين في دول الخليج العربي، وكذلك على العلاقة الرسمية بين الدول الشقيقة وأخوهم الأصغر، كما وان مثل هذه المواقف والسياسات غذت الانقسام بين اللبنانيين وساهمت في إطالة عمر الفراغ الرئاسي.

بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وعودة الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومي وتشكيله حكومة جديدة، باركت المملكة العربية السعودية وقادة دول الخليج العربي التوافق اللبناني، وأرسلت الوفود المهنئة ودعت الرئيس الجديد لزيارة دولها، على الرغم من الشكوك والغموض التي أحاطت بالموقف السعودي من مبادرة الحريري، ومن موقفها من العماد عون المؤيد لحزب الله.

من أجل كل ذلك وصفت مصادر لبنانية متابعة لـ “الأنباء”، الزيارة اللبنانية الى الرياض، بالزيارة التاريخية، كونها تعيد تصحيح العلاقة اللبنانية مع المملكة العربية السعودية، وتعيد صياغة الموقف اللبناني الرسمي على قاعدة المصلحة العربية المشتركة، التي تشكل الرياض عمودها الفقري وأساس منطلقها، وترى المصادر ان نجاح الزيارة مرتبط الحفاوة التي خصّت بها الرياض ضيفها والوفد المرافق له، ولجهة مضامين تصريحات الودّ التي تبادلها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس عون.

وكشفت المصادر أن “تنويه العاهل السعودي بشخص الرئيس عون وإعرابه عن الثقة به، هدفهما تقديم دعم سعودي كامل بانتظار أن يثبت الرئيس اللبناني قدرته على احترام هذه الثقة وتقدير الدور السعودي ورعاية حضوره ومصالحه في لبنان”.

ورأت “أن زيارة الرئيس اللبناني لن تكون كافية لإعادة ثقة الرياض بالحكم الجديد، أنما يجب أن تليها حلقات أخرى لإرساء نهج ثابت علاقة البلدين، وأن تأكيد العاهل السعودي على عدم تدخل المملكة في الشؤون اللبنانية هو إشارة هدفها رفد الرئيس اللبناني بمفاعيل تتيح له منع تدخل الآخرين، لا سيما إيران، في شؤون لبنان وفرض وصاية تشوّه علاقات بيروت مع العالم العربي عامة ومنطقة الخليج خاصة”.

واعتبرت المصادر “أن الرياض حملت العهد الجديد برئاسة العماد عون رسالة مفادها طي صفحة قديمة أدت إلى اتخاذ المملكة إجراءات طاولت مستوى التمثيل الدبلوماسي في لبنان إضافة إلى وقف الهبة المالية التي كان يفترض استخدامها لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي”.

وقالت “اتفق الجانبان السعودي واللبناني على إجراء محادثات مركزة حول سبل رفع الرياض تجميد حزمة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، والتي تبلغ قيمتها أربعة مليارات دولار، والتي ستشكل آليات تنفيذها المستتبعة عنصر أساسي من عناصر ثقة المملكة بلبنان، والتي يوليها المراقبون السعوديون أهمية بالغة لاختبار مدى جدية الإدارة اللبنانية في تصحيح مسار العلاقة اللبنانية بالمملكة العربية السعودية، بعد أن أزالت زيارة العماد عون فتور المرحلة السابقة”.

وقالت المصادر إن “الملك سلمان تقصّد تبديد الالتباس المتعلق بعلاقة الرياض بعون شخصيا وتجاوز المواقف السابقة للرئيس اللبناني ضد السعودية. وقالت المصادر إن العاهل السعودي قال للرئيس عون “ثقتنا بفخامتكم كبيرة في أنكم ستقودون لبنان إلى بر الأمان والاستقرار، ونقل عن عون في هذا اللقاء أنه رد على العاهل السعودي بأن “ما جمع بين اللبنانيين والسعوديين من علاقات تاريخية سيستمر”.

المصادر رأت أن الآتي من الأيام سيحدد مدى تحقيق الزيارة الرئاسية الى الرياض من نتائج، سيما وأن السياسة المؤسساتية الجديدة للمملكة اليوم لم تعد كما كانت في السابق، والتي تحكمها التوجهات السياسية في الاقتصاد والإصلاح والأمن والحرب مع اليمن ومع ايران في اكثر من موقع، ما يتطلب من لبنان التعامل مع هذه التحولات والسياسات الجديدة بكثير من الشفافية والالتزام والدقة، وهذا يتطلب سلوك لبناني جديد تجاه المملكة العربية السعودية والعلاقة معها، وبالتالي فإن الاختبار الأساسي لنجاح هذه الزيارة يرتبط بمدى قدرة العماد عون ضبط إيقاع هذه العلاقة على قاعدة المصالح المشتركة بين البلدين، والتي تتطلب ضبط مواقف القوى السياسية التي تكن العداء للمملكة العربية السعودية وقادتها.

(*) فوزي ابو ذياب