المحبّة غذاء القلب والقلب على الوطن

د. محمود صافي

ورد في الحديث الشريف: ﴿الخَلق كلّهم عباد الله وأقربهم إليه أنفعهم لعباده﴾.

ورد في الإنجيل المقدّس:”أحبِب قريبك كنفسك”.

ويقول أحد المفكّرين:”عندما تنفذ إشعاعات المحبّة إلى القلوب البشرية تجتثّ منها كلّ آثار الشقاء وتستأصل الأنانية من جذورها”.

 وأنا أقول: “أحبِب أخاك في المواطنية إلى أن يتقدّس تراب الوطن”.

الهدف من المحبة وتطبيق العدالة تخفيف آلام الناس. فكلّنا ضيوف نأتي ونذهب، أعني أنَّ الخلق في حركة مستمرّة. واللذّة صلب الأنانية التي لم تتعرّف إلى المحبّة مطلقًا.

لن يبزغ فجر الإنسانية ونتخلّص من الليل الطويل الحالك الذي نعيشه إلاّ “بشعاع شمس المحبّة”، وبقطف ثمار الحرّية الفكرية الناضجة، بالحوار، فالحوار معجن الرجال.

لن يُبدَّد الظلام ويتلاشى الظلم والآلام والحرمان إلاّ بالمحبّة، بآياتها، بآلاتها ومعجزاتها، ولأنَّ أمل الشعوب في الحرّية مِنّة من الله، فالمحبّة في قلب الإنسان غذاء للروح. لماذا نحن في لبنان نتعامل مع بعضنا بأساليب الضغينة والحسد والتسابق على النفوذ ونسلك طرقًا وعرة شائكة، كلّها جور وطغيان؟ إنَّ أكبر دليل على ألمنا هذا هي التفرقة التي تزرع فينا الغَلبة وتودي بكلّ شيء نحو الحرمان! لماذا هذه الحدود الجغرافية المصطنعة داخل الوطن؟ ألم ندرِ أنها لو وُضعت في رقاب الأسود لأذلّتها وطرحت بها على أعتاب الكراهية؟! لماذا يتألم الشعب ويتململ ويستغيث؟ لماذا كلّ هذا وتلك؟ إنّها تيارات طائفية جارفة سوداء تتسلّح بمبادئ لا تأتي بالسعادة ولا تتوّج هامات الناس بالمعرفة، بل هي الطائفية في لبنان والوطن العربي اليوم تحتلّ الأدمغة والأنفس والصدور. يا ليتنا ندري إلى أين نحن ذاهبون، هممُ شعبٍ تضعف وتخور قواه… وآفاق مظلمة… أين رؤى وحِكَم الأنبياء الروحية؟ وأين نحن من آيات المحبّة والصدق؟

lebanon-flag

 هل قرأ أحد في سجلاّت الدول الدائمة أنَّ هدر الدماء الذكي “كمّية مهملة” تذهب بتذوّق ثمر الأنانية لتكتشف الملذّات في أعمال الجرأة؟ البطولة والمغامرات وحدها تكفي، لا، فالغيرة الوطنية من كلّ أطياف الشعب على مختلف مشاربه الروحية والفكرية ستبقى إلى الأبد في آذان التاريخ أجمل حلم وأعذب لحن وطني وأقوى أمل، وخفقة طموح ونبضة مجد في القلوب والأرواح. تعالوا في هذا الوطن ننبذ التشاحن، تعالوا نقف أمام الحقيقة الواحدة، إنّنا أبناء وطن واحد، لتكن كثرة الشهداء والسخاء بالدماء الذي بذل في سبيل الفداء، توقًا دائمًا إلى تحرير الأرض من الأعداء، والشوق الدائم لرؤية الشباب تعتنق كلّ المثل العليا في هذا الوطن. تعالوا نشارك في وضع تصاميم خلاّقة مهندسة للواقع وأيضًا للنفوس. تعالوا نتنافس في البناء، بناء هذا الشعب، هذا الوطن الذي ينبض بالعبقرية والتضحية. ولا سمح الله أن نصبح ألعوبة في أيدي تجّار الموت، وأصحاب معامل الأسلحة، بفعل الجهل. تعالوا نتوحّد على هذه الأرض الطيّبة بقلوب محبّة، هي مبعث القوّة والطمأنينة والسلام.

(الأنباء)