بقانون انتخابي واقعي لن ينكسر لبنان…

فيصل مرعي

لا شك، بأن النسبية مطلب الجميع. ولا شك، بأن الكل ينتظرها بفارغ من الصبر. فهي ارقى انواع القوانين الانتخابية، لا ينافسها قانون، ولا يحاكيها قانون. ولبنان اليوم، بأمس الحاجة الى هكذا قانون نسبي، لا سيما وأنه يُعتبر الاكثر تقدماً وحضارة من اي قانون آخر. فهو في حال تبنّيه، يضع البلاد في مصاف الدول الديمقراطية الراقية. ونحن نتنادى الى مثل هذا القانون منذ زمن، إلا اننا قلنا يوماً: ان ذلك يتطلب قبل تطبيقه سنوات وسنوات من الدراسة والتمحيص، خاصة وأن لبنان اليوم في ظل وضع اقتصادي سيّء، وفي ظل حروب تدور رحاها بمحاذاته، ناهيك عن ان بُنى الدولة، ما زالت مترهلة، ووثيقة الوفاق الوطني تترنّح تحت ضربات مطرقة بعض القوى السياسية، والحياة السياسية في حالة تخبط دائم، وكل شيء يتأرجع بين اللاقرار واللاستقرار.

إن تبنِّي قانون نسبي في الوقت الحاضر، والبلد في حالة يُرثى لها يتيه الناخب معه في غياهب المجهول، خاصة وأنه لم يتلقّ أي معلومة، ولا اي فكرة عنه لا شكلاً، ولا مضموناً. فمن أصعب ما يواجهه الانسان في مسيرته، عدم معرفة ما سيُفرض عليه من قوانين واعراف، تعود سوءاً ودمااص على أجيال وأجيال قادمة.

Elections lebanon
قد يتساءل سائل: ما هو القانون النسبي؟ وما هي ابعاده؟ وهل سيجعل من لبنان الغارق في وحول الطائفية والمذهبية عقوداً وعقوداً من الزمن دولة ديمقراطية، او علمانية بكل ما تعني الكلمة من معنى؟ بادئ ذي بدء، يجب ان يكون هنالك دولة عادلة، تحترم الارادة الشعبية، باعتبار ان الانتخابات النيابية، تُشرعن النظام السياسي، اي تجعله شرعياً، وهي بالتالي تُفسح في المجال امام الفائز الوصول الى الندوة النيابية، لتولي زمام الحكم. فأي خلل في عملية الانتخاب قد تزعزع النظام من جذوره، فلا يعود هنالك من ديمقراطية، إذ تصبح في هكذا حالة، كطائر العنقاء، يعرف له اسم، ولا يعرف له وجود، فتغيب ساعتئذ، ثقة الشعب بحكامه ومؤسساته، ويُشيح بوجهه عنهم، فيروح يُغرِّد خارج اطار الدولة، كافراً بالديمقراطية التي يزعمون، وبكل دساتيرها ومواثيقها، ضارباً بعرض الحائط بالقيم السياسية التي يدعون، والتي حملوها شعاراً سنين طوالاً، والتي انتهت كلاماً بكلام، وهراء بهراء.

في كل الاحوال، فإن اي قانون انتخابي، لا يلحظ عملية التمويل، والانفاق، والاعلام والاعلان، وحسن تقسيم الدوائر، والتساوي في الحياة السياسية، هو ضرب للتعايش، وتغييراً لمفاهيم، وزعزعة لوطن، وهتكاً للديمقراطية في الصميم.

أما الاهم من كل ذلك، فهو، حسن تقسيم الدوائر، التي هي في اساس النظام الديمقراطي الصحيح، لا بل في عمقه. وهذا، يذكرنا بما نص عليه اتفاق الطائف، الذي اكد على تقسيم الدوائر على اساس المحافظة بشكل عادل، وعلى ان لا يشذ ذلك عمّا يؤمن العيش المشترك، ترابطاً مع اعطاء الحقوق السياسية لكل مكونات الشعب. وما يزيد الناخب قناعة، تساوي الاصوات في الدوائرِ، بحيث تكون قوة صوت الناخب في دائرة ما، تساوي صوت ناخب في دائرة اخرى. واذا كان هنالك من فارق، فيجب الا يتعدّى ذلك نسبة معينة بما يبعد الخلل في التمثيل والتعالي والمفاخرة في الدائرة الاكبر.

اما لجهة ابعاده فهو ليس بمنزل، اذ تشوبه ما يشوب القوانين التي تعتمدها بعض الدول المتقدمة. فصحيح ان لا اخطاء في العملية الحسابية، ولكن هل سيكون هنالك من تجانس بين النواب، يوم وصولهم الى الندوة النيابية، فضلاً عن بعض الانتهازيين الذين يغتنمون الفرصة ابتغاءً مصلحة ما…

ما هو مطلوب الآن، اعتماد القانون المختلط، ريثما نصل الى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، يغلّب المنطق الوطني على المنطق الطائفي، ولا يُلغي احداً .

بهكذا قانون انتخابي واقعي ننقذ لبنان، ونحافظ على فرادته وتنوعه، فلا يعود ينكسر لبنان، فتنكسر الديمقراطية فيه.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…