عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

تبدو الاوضاع في لبنان مُتجِهة نحو تثبيت الانتظام العام في مؤسسات الدولة. وتتوضَّح الصورة اكثر فاكثر؛ كون فترة السماح التي أُعطيت للقوى السياسية خلال المرحلة الماضية قد إنتهت، ولم يَعُد التعطيل مسموحاً. اما الحلول التمديدية للهروب من حالة الاضطراب والعجز السياسي؛ فلم تَعُد تصلح لمواجهة الاخطار التفكُكية القادمة، وإصلاح البيت الداخلي؛ اصبح من المُسلمات بين الافرقاء كافة، لكون الاهتراء اصاب مفاصل الدولة برمتها، واستمراره يشكِل خطراً بُنيوياً على النظام برمته.

مما لا شك فيه؛ بأن جزء اساسي من الإندفاعة الدستورية يأتي بعوامل غير مرئية من حاكم الظُل الفعلي، وربما ببعض الضغط الخارجي. فمجلس الامن الدولي على سبيل المثال؛ يواكب ما يحصل في لبنان ساعةَ بعد ساعة، وهو يُصدِر البيان تلو الآخر عن تطور الاحداث، كألترحيب بإنتخاب رئيس جمهورية جديد، وتأييد تشكيل حكومة جديدة، على غير ما يتعاطى به في دولٍ أُخرى، حيث انه لا يُعلِّق عادةً على مثل هذه الاستحقاقات.

قرار إجراء الانتخابات النيابية في لبنان؛ مُتخذ لإجرائها في موعدها في الربيع القادم – او بعده بقليل اذا اقتضت الضرورة اللوجستية – لكن قانون الانتخاب يقع محل إختلاف بين القوى السياسية اللبنانية، لكون القانون يُساهم في تحديد جزء من النتيجة التي ستؤول اليها عملية الإقتراع.

ويدور ضجيجٌ واسع حول القانون القائم ( اي قانون الستين ) الذي يعتمد النظام الاكثري في تحديد الفائزين، رغم ان النظام الاكثري؛ كان النظام الثابت الوحيد الذي اعتمدته التجربة الديمقراطية اللبنانية الهشَّه منذ ولادتها. اما الدوائر الانتخابية؛ فكانت تكبُر او تصغُر، وفقاً للمزاج العام القائم في الاوساط النافذة، وقد أُعتبرت تقسيمات ( الستين ) وقانونها؛ اكثر تجذُراً، لأن واضعها الرئيس الراحل فؤاد شهاب؛ كان مُجرَّداً من الغايات الوصولية، ولم يَكُن لديه طموحات شخصية، بل كان جهده مُنكباً على بناء الدولة، وصناعة الاستقرار.

لا يمكن التقليل من شأن قانون الإنتخاب في الحياة البرلمانية اللبنانية، لأن نظام التوزيع الطائفي لعدد النواب ( مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين وفق الدستور ) يُشوه الحياة السياسية والحزبية، ويُبعدها عن إعتماد أنظمة مُعاصرة، خصوصاً التي تعتمد النسبية الشاملة، لأن شرط النسبية الاساسي وجود مواطَنة مُجرَّدة، وهذا النظام يعتمد على وجود لوائح حزبية واضحة، وليس على لوائح من ممثلين عن الطوائف والمذاهب، وقد سبق للبرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الراحل كمال جنبلاط؛ ان تبنَّى النظام النسبي عام1976، ولكن بعد إالغاء الطائفية السياسية، لأن التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية؛ يُشوه بطبيعة الحال مقاصد النظام النسبي الشامل.

هناك 17 اقتراح قانون للإنتخابات امام لجنة الادارة والعدل في مجلس النواب، وفيها العديد من الاقتراحات، تتراوح بين النظام الاكثري على اساس الدوائر الصُغرى مروراً بنظام الدائرة الفردية والنظام النسبي الشامل وصولاً لنظام نصف نسبي ونصف اكثري كما اقترح الرئيس نبيه بري، وهذا الاقتراح يتشابه مع الاقتراح المشترك المُقدم من الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل، والذي يطالب بإنتخاب 68 نائباً بالنظام الاكثري و60 نائباً بالنظام النسبي.

الذين يطالبون بالنسبية الشاملة يدركون ان تطبيقه من دون الغاء الطائفية السياسية يعني إلغاءً للحياة السياسية اللبنانية برمتها، وتحويل الاجواء في البلاد الى اجواء مُخيفة طائفياً ومذهبياً، لأن عمليات الإقتراع في هذه الحالة، ستجري على ” الفتوى ” او على ” دقة الجرس ” وهذا الامر سيخلق اجواء طائفية مشحونة، لاسيما في ظل الإختلال الديمغرافي القائم في البلد لصالح المسلمين. علماً ان إعتماد النظام النسبي الشامل احدث إختلالاً وعدم استقرار في ايطاليا مثلاً، مما فرض التراجع عنه في العام 2005، وإعتماد نظام 75% من النواب يُنتخبون على اساس نظام اكثري ضمن دوائر محددة و 25% من النواب يُنتخبون بالنظام النسبي الشامل.

ترى اوساط سياسية متابعة: ان بعض الكلام عن صحة التمثيل اليوم يحمل اهداف حزبية او فئوية خالصة، اي انه يهدف الى تقليص حجم كتل نيابية وزيادة احجام كتل أُخرى، فضلاً عن تكوين كتل نيابية لها لون طائفي مُحدَّد وتفتقد الى التنوع الذي يحتاجه الاستقرار اللبناني، اما ما يقال عن صحة التمثيل من خلال القانون ” الارتوذوكسي ” اي انتخاب الطوائف لممثليها؛ فهو اعداماً للحياة السياسية اللبنانية برمتها.

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد