لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

ناجي مصطفى (الأنباء)

ما ان انتهت عملية تأليف الحكومة بعد مسار طويل من التجاذبات والمناكفات والتشاطر السياسي بين القوى المختلفة لتحصيل اكبر كم من الحقائب، حتى دخلت الساحة السياسية مجددا “حفلة زجل” بين القوى ذاتها عنوانها التباري في رذل قانون الانتخابات الحالي، المعروف بقانون الستين الذي يقوم على قاعدة مبدأ التمثيل الاكثري فيما ذهبت هذه القوى الى كيل المديح لمبدأ التمثيل النسبي باعتباره الوصفة السحرية لاحداث التغيير الديمقراطي المطلوب وانتاج طبقة سياسية جديدة تطيح بحواصل الانتخابات المتكررة الناجمة عن اعتماد قانون الستين.

والحال ان العيب ليس في مبدأ التمثيل المعتمد في أي قانون انتخابي، نسبيا كان ام اكثريا، كون كل من  المبدأين لديه عيوبه ومساوئه وكذلك حسناته وايجابياته، والغاية من أي انتخابات نيابية  هي السعي الى تمثيل اوسع شرائح ممكنة في المجتمع بحيث لا تشعر اي مجموعة سياسية ام دينية بالظلم جراء عدم تمكنها من ان تتمثل في البرلمان وذلك بصرف النظر عن المبدأ المعتمد، وهو ما يدرج على تسميته بصحة التمثيل.

إن أي قانون انتخاب لا يمكن ان يؤمن صحة التمثيل إلا إذا راعى مجموعة من القواعد والمبادىء العامة ،بصرف النظر عن أي مبدأ تمثيل معتمد فيه، ولعل أهم هذه القواعد:

  • تقسيم الدوائر الانتخابية على نحو عادل، من قبيل اعتماد القضاء دائرة انتخابية أو اعتماد قضاءين معا دائرة انتخابية واحدة او اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، فالأصل في المسألة وحدة المعيار وليس ازدواجيته أو ثلاثيته كما هو واقع الحال مع قانون الستين.

2-تضمين القانون سقفا محددا للانفاق   على الحملة الانتخابية بحيث يجري الزام المرشحين بالتقيد به تحت طائلة إبطال نيابة من يثبت تجاوزه هذا السقف ولو لم يطعن الخاسر بالانتخابات بصحة فوز منافسه، باعتبار أن هذا الشرط هو من الانتظام العام ويمكن إثارته عفوا وليس فقط بناء على طلب المرشح الخاسر.

%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa

3- أن يتضمن القانون تنظيما منضبطا للاعلام والاعلان الانتخابيين بحيث يتاح لكل المرشحين فرصا متساوية لمخاطبة الناخبين وعر ض برامجهم الانتخابية عبر الوسائل الاعلامية المختلفة.

 إن مشكلة قانون الستين ليس في أنه يعتمد قاعدة التمثيل الأكثري وليس النسبي ،بل لأنه لم يراع هذه المبادىء والقواعد الآنفة الذكر.

فقانون الستين يعتمد ثلاثة معايير مختلفة في تحديد الدوائر الانتخابية، فقضاء الشوف مثلا دائرة انتخابية واحدة فيما قضاءي بعلبك والهرمل يشكلان معا دائرة انتخابية واحدة وكذلك الأمر في ما خص قضاءي مرجعيون وحاصبيا بينما تشكل مدينة صيدا وحدها دائرة انتخابية في حين أن قضاء صيدا يتضمن عدا عن عاصمة الجنوب قرى قضاء الزهراني كلها.

 إن اعتماد معايير ثلاثة مختلفة في الوقت ذاته هو أبرز مثالب وعورات قانون الستين، ناهيك عن غياب أي ضوابط على الاعلام الانتخابي لا سيما مع وجود مرشحين لاحزاب تمتلك وسائل اعلامية مرئية ومسموعة تفتح هواءها للترويج لمرشحيها على مدار اليوم من الفترة التي تسبق موعد الاستحقاق الانتخابي، في حين يجري انفاق مبالغ طائلة على الحملات الانتخابية دون مراعاة لأي ضوابط ما يؤثر حكما على نتائج العملية الانتخابية لا سيما في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان والتي تتيح المجال أمام إمكانية شراء الذمم والنفوس.

إذن أصل المشكلة ليس القانون بذاته بل بالخلل المعياري المعتمد فيه، فتقديس النسبية على حساب الأكثري  “المرذول” وفقا لما هو رائج في هذه المرحلة يعبر الى حد بعيد عن استغلاق فهم كثيرين من  القائلين بها والداعين اليها وعدم قدرتهم على التمييز بين مبدأي التمثيل المذكورين لناحية إيجابيات وسلبيات كل منهما، ناهيك عن أن النظام النسبي يحتاج كي يحقق فعلا صحة التمثيل وجود أحزاب سياسية علمانية عابرة للطوائف على غرار ما كانت عليه الاحوال عشية اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، يومذاك طرحت الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط برنامجا مرحليا للاصلاح السياسي والاقتصادي والاداري يتضمن في ما يتضمن اعتماد قانون انتخاب جديد يقوم على مبدأ التمثيل النسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة.

فمع وجود مثل هذه الاحزاب العلمانية يكون المعيار هو سعي هذه الاحزاب الى ان تتمثل باوسع مروحة من ممثليها بغض النظر عن طائفة أو مذهب المرشح الفائز، أما طرح النسبية مع وجود أحزاب طائفية تعبىء طوائفها وتغلق الباب أمام أي امكانية لتمثيل المستقلين أو الاحزاب غير الطائفية ولو في نطاق هوامش  ضيقة  فإن ذلك سيعيد بالقطع انتاج الطبقة السياسية ذاتها التي تأتي بها نتائج الانتخابات التي تجرى وفقا لقانون الستين.

كما أن الخلل الآخر، والأكثر سلبية باعتقادي، الذي سينجم حكما جراء اعتماد النسبية هو في هيمنة الطوائف الكبرى على اللعبة الانتخابية والتحكم المسبق بنتائجها وذلك نتيجة الخلل أساسا في حجم الطوائف، ما يؤدي إلى عدم قدرة الطوائف الصغرى على التأثير في صيرورة الانتخابات ونتائجها، الأمر الذي سيؤدي عاجلا ام آجلا الى خلق شعور متنام بانتفاء المساواة  في المواطنة التي تشكل أساس الديمقراطية في المجتمعات الحديثة التي تكفل الاستقرار السياسي  لها وتنأى بها عن التوترات والأزمات المستمرة.

 في ضوء ما تقدم فاننا نرى أن أي قانون انتخابي ﻻ يأخذ بالاعتبار توفير الضمانات لتمثل كامل المكونات الطائفية وفقا لأحجامها الحقيقية دون منة من أحد، فإنه سيبقى قاصرا عن الإجابة على هواجس المجموعات الدينية المختلفة ما سيؤدي الى توليد مزيد من الأزمات السياسية لم نشهد مثيلا لها جراء اعتماد قانون الستين.

فهل من يرعوي؟؟!!

(الأنباء)

 

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟