حكومة هندسات سياسية وديمقراطية ممرات الزامية

رفيق خوري (الأنوار)

القراءة في كتاب الحكومة الجديدة تفرض النظر الى ما هو أبعد من حصص الكتل النيابية واحجامها ونوعية الوزراء ومؤهلاتهم. فهذه حسابات مألوفة، وخصوصا عند الصدمة الايجابية او السلبية التي يحدثها اعلان تشكيل حكومة بعد طول تعثر. وعملية الأخذ والرد في تفاصيلها ازدادت اغراء بعدما صار تأليف الحكومات في لبنان محنة تستمر شهورا، واصبح الشغور الرئاسي يتجاوز الشهور الى السنوات. لكن الاساس هو دور الحكومة في التحولات المطلوبة بالنسبة الى موقع لبنان على خارطة الصراع بين المحاور الاقليمية والدولية.

ذلك اننا اسرى ديمقراطية الممرات الالزامية التي هي نقيض السياسة في الانظمة الديمقراطية. وهي الغاء للسياسة في النظام الطائفي اللبناني. فالحكومة الثلاثينية المشكلة برئاسة سعد الحريري ليست حكومته، ولا حكومة العهد، ولا حكومة الوحدة الوطنية ولا حكومة الوفاق الوطني حسب الصيغة المخففة التي استخدمها الرئيس الحريري قائلا انها لم تأت لتثبيت سابقات او لتكريس اعراف. فكيف نتحدث عن حكومة وحدة وطنية، حيث الوحدة الوطنية مضروبة في البلد؟ وكيف تكون هناك حكومة وفاق وطني من دون وفاق بين اعضائها ومرجعياتهم على مشاريع وطنية وحتى على قانون انتخاب؟

هل بدأنا بناء مشروع الدولة لكي نضع في الحكومة ستة وزراء دولة، ونضيف الى الالقاب عناوين لمهام يعرف الجميع صعوبة تحقيقها وحتى التخطيط لها في حكومة انتخابات قصيرة العمر، ان لم تكن تلك العناوين مجرد حيلة لرفع الاحراج في توسيع الحكومة، ومن يضمن ان ينص قانون الانتخاب على كوتا نسائية في الانتخابات، ما دمنا في نظام طائفي ومجتمع بطريركي، بحيث يتولى رجل وزارة دولة لشؤون المرأة في حكومة من ٢٩ رجلا وامرأة واحدة؟
الواقع ان ما يسجله تأليف الحكومة بهذا الشكل يتجاوز تثبيت السابقات وتكريس الاعراف الى جعل التسليم بالممرات الالزامية الخيار الوحيد عند اي استحقاق. فالحكومة محطة على طريق الممرات الالزامية. وقانون الانتخاب مرشح لأن يكون محطة على الطريق. والمحطات تتكامل بعد الانتخابات.
وعلى طريقة الهندسات المالية تأتي الهندسات السياسية. الاولى قام بها مصرف لبنان من اجل دعم الليرة وتثبيت سعر الصرف عبر الاقتراض بالدولار، فكانت الارباح كبيرة من الفوائد لمصلحة الكبار والنافذين في المصارف. والثانية يقوم بها الاقوياء من اجل دعم المشروع الاقليمي المنتصر وتثبيت اركانه في لبنان. الارباح المالية ملموسة. لكن الارباح السياسية ليست ثابتة. وفي لعبة المنتصر الوحيد والرابحين وسط الخاسرين قد يكتشف بعض الرابحين ان ما اعطي لهم يشبه اعطاء جائع صحن شورباء مع ملعقة مثقوبة.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الأنوار)

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

أي ترجمة عملية لانتصارات بوتين؟

صراع ما بعد الحرب على داعش

تقاسم الخارطة السورية ومحاربة داعش بالتفاهم

واشنطن وطهران والرياض: أي موقع للبنان؟

أميركا والعالم: مخاطر ما بعد الانتخابات

فصل رئاسي في محنة أميركا

تحديات تحييد لبنان: أين ناصر عون؟

لبنان والمنطقة: معارك في حرب واحدة

شطرنج بوتين وأوباما: أي خيار في حلب؟

لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء

حسابات معركة الموصل: هل انتهت وظيفة داعش؟

كلفة تخطي بوتين للقياصرة والسوفيات

بوتين والقياصرة والسوفيات: ثوابت الجيوبوليتيك الروسي

الخلاف الأميركي – الروسي هو الوجه الآخر للاتفاق

خريف الأمم المتحدة: التفرّج على الجحيم

أوهام رهانين ثابتين في متغيرات سوريا

اتفاق كيري – لافروف ل تنظيم الحرب

قمة الشيزوفرينيا السياسية: خطر الفراغ وخطر اللافعل