تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

وسام القاضي

“نرفض تقسيم لبنان”، “نحارب التقسيم”، “لبنان أصغر من أن يقسم”، شعارات رنانة وطنانة رفعتها القوى السياسية طيلة الحرب اللبنانية، وبعد توقيع إتفاق الطائف وإنهاء أسوأ حرب عرفها لبنان، رفع شعار الإنصهار الوطني، وبرزت النزعة إلى تقسيم السلطة في لبنان من قبل الأطراف السياسية بدل تقاسمها، فتقاسم السلطة يتم عبر المشاركة بكافة المستويات الهرمية لبنية السلطة وفق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، بينما تم العمل على تقسيم السلطة ليأخذ كل طرف حصته وفق تقاسم الجبنة، وتحول الشعار إلى العيش المشترك. وما الأزمة التي نمر بها لتشكيل الحكومة في مطلع العهد الجديد إلا نتاج لهذه العقلية المدمرة للوطن وللمؤسسات، فتارة عيش مشترك وتارة أخرى تعايش، وتحت هذه الشعارات تحصل عملية شد الحبال لتحصيل أكبر عدد من المكتسبات لهذا الفريق أوذاك.

وكلام متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذوكس المطران الياس عوده، المعروف بجرأته زكلامه الذي يصيب الجرح، يأتي في هذا السياق لإزاحة اللثام عن خبايا هذه الأزمة التي تتعلق بتقاسم الحصص، والصرخة التي أطلقها لمنطق توزيع الوزارات بين السيادية والخدماتية والعادية والتهافت عليها لإعطاء حقوق المذاهب والطوائف وفق سلم عديد كل مذهب، هذه الصرخة تلامس الخط الأحمر لوجود هذا الكيان الذي اسمه لبنان.

عند تشكيل الحكومات يبادر إلى ذهن كل مواطن سؤال بديهي :”شو طلع لنا وزارات” وهذه الـ “لنا” تعني المذهب أو الطائفة وكأن باقي الوزارات لم يعد لها رابط مع هذا المواطن، حتى أن ابواب الوزارات تفتح لأبناء الطائفة أو المذهب الذي ينتمي إليها الوزير بحد ذاته، ويكونون أبناؤها المحظوظين فيها، ويضطر المواطن لإنجاز معاملة ما أن يفتش عن صديق له ينتمي إلى مذهب الوزير لإتمام معاملته بالأسلوب المذهبي.

%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9

لماذا هذا التهافت الصارخ على إمتلاك هذه الوزارة أو تلك إلا الرغبة الكامنة في إستخدامها للأغراض الإنتخابية، فالمقياس أصبح إعطاء خدمات لأبناء الطائفة ونحن على أبواب افنتخابات النيابية، لا أحد منهم يفكر بتحصين الصناعة في لبنان من خلال تبؤ وزارة الصناعة، ولا أحد يهتم بمشاكل المزارع اللبناني من خلال استلام وزارة الزراعة، ولا أحد يهتم بإنجاز كتاب تاريخ موحد ليدرس في الطلاب عن تاريخ بلادهم من خلال إدارة وزارة التربية، ولا أحد يفكر بالمستوى المتردي للطرقات ووسائل النقل في لبنان من خلال إستلام وزارة الأشغال، ولا أحد يهتم بالنظر في وضع القضاء في لبنان ووضع خطة لكي لا تطول مجريات التحكيم في لبنان من خلال وزارة العدل، وعلى هذا المنوال لباقي الوزارات، جميعهم يريدون الوزارات لكي تساعدهم في حملاتهم الإنتخابية، هدفهم تقسيم البلاد وفق نفوذهم بدل تطويرها وتقدمها.

أيهما أصبح أخطر على لبنان مشروع التقسيم الذي كان يحكى عنه في الحرب، أم التقسيم الفعلي الذي نعيشه اليوم وهو تقسيم سلطة الدولة والذي بالتالي يذكي تقسيم النفوس. كيف يمكن أن يستعيد المواطن ثقته بالدولة  إذا كان الإنتماء هو للطائفة فوق كل إعتبار ولا يوجد مفهوم حقيقي للإنتماء للوطن. إن جشع الأطراف السياسية في التهافت على مقدرات الوزارات يصيب المواطن في الصميم ويقضي على تطوير الدولة بكامل مقدراتها. ويبقى الأمل أن يعي المواطن اللبناني من كافة إنتماءاته إلى حقيقة ما يدور وأن يعرف كيف يحاسب بغض النظر عن أي قانون إنتخابي قد يصدر، لأن مستقبل الأجيال القادمة على المحك وأخطر ما في تقسيم السلطة يكمن على أنها تقسم النفوس اللبنانية وعندها من المستحيل إعادة لحمها.

(*) رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

 

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار

ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟