كمال جنبلاط: رجل الدولة والقائد الثوري

علاء لؤي حسن

أنباء الشباب

“إن الحياة إنتصار للاقوياء في نفوسهم لا للضعفاء”.

لعل هذه المقولة الشهيرة للمعلم الشهيد تختصر مسيرته النضالية.  فكمال جنبلاط  بدأ حياته السياسية متمرداً على انتمائه الإقطاعي، واجه في البداية والدته التي لم يرق لها خياره السياسي، ثم واجه “البابازات” من رجال السياسة اللبنانية، لكن تبقى مواجهته الكبرى بحسب اعتقادنا هي مع النفس منتصراً على نزعاتها المادية والجسدية.

 فقد عاش حياة رهبنةٍ حقيقية. لم ينكر أعداؤه مزاياه وسجاياه، ولو أن بعضهم من باب المعاندة أوالمماحكة يشكك بخبث في خياراته الإشتراكية التقدمية على انها موجةٌ ركبها ليعبر بزعامته نحو فضاء قادم مختلف في قواعده وقوانينه السياسية والاجتماعية والثقافية.

وعلى الرغم من ان ما سبق يحمل في مكان ما ميزة الرؤية والاستشراف المتبصر، فإنه يحمل قدراً من التجني، حيث سيرة كمال جنبلاط بحد ذاتها افضل رد على هذا التجني. فسلوكه وخياراته وزهده في الدنيا أظهرت بأنه عاش مبادئه بحذافيرها، لم تلوثه زخرف السلطة، كان أقرب ما يكون للفقراء وأبعد ما يكون عن المال وأهله حتى وصفه الشاعر شوقي بزيغ “أبا المساكين”.

 في موقعه، كان شغله الشاغل محاربة الفساد في دوائر الدولة منذ اليوم الأول لدخوله الحياة السياسية. وفي هذا الصدد ينقل أحد أصدقائه قوله لسائقه سامي نمور في أول يوم لدخوله الوزارة “إياك أن تقوم بعمل يسيء إلى سمعتك وسمعتي، ولا تظن أن كمال جنبلاط سيدافع عنك أو يحميك اذا تعديت يكفينا ما في هذا البلد من قبضايات!”.

 وفي جانب آخر، كان كمال جنبلاط مثلاً ومثالاً في جملة قيم تتداخل في شخصيته قوامها، الإستقامة في الحرص على المال العام والتواضع في المسلك والشهامة في انتصاره لحق الناس. ولعل أبرز مثال على هذا، إدانته لجريمة إعدام انطون سعادة بالرغم مما كان بينهما من خصومة سياسية. إدانةٌ مدوية جاءت بشكل استجواب للحكومة – حين لم يجرؤ أحد غيره – واصفاً محاكمة سعادة بانها “اغتيال سياسي بإسم القانون” وهو بهذا يتحلى بصفات رجل دولة بأجلى معانيها، فقد كان مؤمناً بان الحرية هي أساس كل تطور خلاق وانطلاقاً من هذا حدد إطار الحرية السياسية في اتجاه الإلتزام بأهداف التطور الحياتي الشامل” .

وحيث جدلية التطور شغلت حيزاً كبيراً في فكره يقول في هذا الصدد: “كل شيء سيضربه فأس التغيير… يجب أن لا نخاف من التغيير لأنه مولد العصر الجديد “.

يحاول البعض أن يحاصر كمال جنبلاط في الفلسفة والفكر وحسب، وهذا مجافٍ للحقيقة تماماً، فهو وازن بدقة ما بين الفكر والسياسة  يقول في هذا الصدد: السياسي الحقيقي، أي رجل الدولة، يجب أن تكون له دائمًا عين على المبادئ يستلهم منها مواقفه وتصرّفاته، وعين أخرى على الواقع المحيط بتطبيقها”.

 ولكن حتى لا تضيع البوصلة حرص كمال جنبلاط على تحديد ماهية السياسة حيث قال: “السياسة هي في معناها تربية الجماهير وتعويدها على الطريق الأفضل” وهي عنده تحقيق الأهداف النبيلة وهنا حدد المعلم العلاقة الجدلية بين الهدف والممارسة في قوله: “الشخص لا يمكن ان ينفصل عن المبدأ، ولا يمكن ان ينفصل المبدأ عن الشخص”.


لقد حاول كمال جنبلاط رجل الدولة ان يتجنب الحرب الأهلية وأدرك بأنها مؤامرة أعدها كسنجر لضرب الثورة الفلسطينية الأمر الذي حدث فيما بعد وأيضا مقدمة لتقسيم لبنان ليبدأ منه تقسيم المنطقة أي ما يحصل الآن في العراق وسوريا.

 ومن جهة أخرى، سعى كمال جنبلاط بنفس طويل وعبر نضال سلمي لإصلاح النظام اللبناني في جملة اصلاحات ديمقراطية للقضاء على الامتيازات الطائفية والسياسية فيه غير ان هذا السعي وصل إلى طريق مسدود، وما زال حتى الآن كما يبدو!.

يقول في مقابلة مع الصحفي الفرنسي فيليب لابوستيرل خلال الحرب اللبنانية: “أنا لا أحب العنف وإجلالي لغاندي معروف.. لكن إذا كان عليك أن تختار بين الخضوع والعنف فإنه ينبغي لك اختيار العنف“. .

إن الحديث عن كمال جنبلاط لا تسعه مجلدات. لكن ما يجب ان يترسخ في عقولنا نحن الناشئة ان شخصية كمال جنبلاط متعددة الجوانب فهو في مكان فيلسوف، وفي مكان آخر سياسي بارع، وهو صوفي، الى حد التقشف، وثوري حتى الاستشهاد.

(أنباءالشباب، الأنباء)