رسالة من مواطن مهزوم!
وهيب فياض
5 ديسمبر 2016
أنا مواطن لبناني عادي، مهووس بوطنيته، لأنني من جيل كانت فيه الوطنية قمة القيم.
أنا مواطن عابر للطوائف، لأنني عشت في زمن الانصهار الحقيقي، قبل زمن المساكنة غير الشرعية.
أنا مهتم لأمر كل المحافظات والأقضية والدساكر والقصبات والقرى والاحياء في وطني، لأنني عشت طفولتي وشبابي متنقلا بينها، وكل منزل فيها منزلي.
أنا مواطن تعلمت من مدرسة ما قبل زمن تناحر وتزاحم الطوائف على المغانم، أن عليّ واجبات ولي حقوقاً في الوطن، فإذا رجحت كفة واجباتي على كفة حقوقي، رضيت، لأن الخسارة لي ولكن الربح للوطن.
أنا مواطن مسكون بتقديس واجب الذود عن كل حبة تراب على مساحة وطني حتى ولو كان دونها بذل الانفس والدماء، وانا متيّم بحب فلسطين وحقي كعربي فيها من البحر إلى النهر.
أنا مواطن دافع عن كل هذه القناعات والقيم طيلة حياته، ودفع ثمنها، بحمل السلاح كجندي حينا، وكمقاوم لمحاولات شرذمة الوطن أو طغيان فريق أو فئة او جماعة على غيرها، تحت أي شعار أو يافطة أو سبب أو ايديولوجيا أو ديانة.
أنا مواطن تمسكت بمواطنيتي، ورفضت الهجرة رغم خراب وطني، ومنزلي من ضمنه، ورغم دوي المدافع، والخطف على الحواجز، وانهيار مقومات السلطة، ورغم الوجع والألم العام والخاص، ورغم الاحتلالات والاجتياحات والوصايات واليوم، وبعد أربعين سنة من العناد إلى حد “التيسنة” كما تسمى هذه الأيام، ومن الخيبات والمرارة، وبعد أن سرق اللصوص أحلامي وكسروا عنفواني، وإحتكروا حقي في المواطنية.
أنا مواطن مهزوم أتساءل كما يتساءل الكثيرون معي: ماذا يبقى من المواطنية، إذا جردتها من الحقوق الأساسية للمواطن؟
وماذا يبقى من الانتماء إلى الوطن، إذا صرنا قطعانا مفترسة، يأكل الأخ لحم أخيه نيئا دون رادع؟ وماذا يبقى من الدولة إذا صارت باباً للسلطة، لا يفتح إلا بمفاتيح ذهبية، لا تملكها إلا بعض مكونات الوطن، فيما غيرها ينتظر الفرج أمام أبواب مغلقة بلا مفاتيح؟ ماذا يبقى لمواطن مثلي من وطنيته ومواطنته ووطنه؟؟؟
أبنائي الأعزاء،
أحجزوا لي على أول طائرة تقلع إلى وطن حقيقي، وخذوا قناعاتي وعنادي وخيباتي ومراراتي، وأحلامي المسروقة، ملفوفة في أحلى علب الهدايا، مبللة بحبات الدموع مني ومن كل أبناء جيلي، ولا تفتحوها حتى لا تصيبكم لعنتها، إلا إذا إكتشفتم دواء لهذا الداء الذي ابتلي به الوطن، قبل أن يموت!
(الأنباء)