أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

وسام القاضي

طرح البعض في مناسبات عديدة  فكرة عقد مؤتمر تأسيسي في لبنان من أجل “جس النبض”، وكان الرد بالإجماع من كافة الأطراف المسيحية برفض هذه الفكرة كونها تتعارض مع ما تم التوافق عليه في إتفاق الطائف.

وقبل الخروج من أزمة الرئاسة الأولى بإنتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، طرح الرئيس نبيه بري فكرة السلة المتكاملة ليضمن المشاركة الفعلية بإدارة البلاد، فجاء الرفض من المراجع السياسية المارونية وحتى الروحية لأنها تكبل رئيس الجمهورية وتضعه أمام دفتر شروط مسبق عليه الإلتزام به.

ومع تفويض حزب الله للرئيس بري بالتفاوض نيابة عنه بتشكيل الحكومة، إبتعد عن حلبة المواجهة والتجاذب والسجال مع الرئيس عون لأن مضمون طرح حزب الله يختلف عن طرح التيار الوطني الحر وهذا سيؤثر سلبا على الإشادة بالتفاهم الذي جرى بينهما في السابق، فدخلت بذلك البلاد في الأزمة الحكومية من خلال تصوير المشكلة على أنها توزيع حقائب بينما هي في العمق أزمة نظام حول المشاركة في الحكم والقرارات وإدارة الدولة.

بعبدا

إن الصراع قد فتح على مصراعيه ما بين إلإمتيازات التي حصل عليها الموارنة في ميثاق 1943 وتمتعهم بثنائية الحكم مع السنة، وما بين النفوذ الشيعي المستجد بعد الحرب اللبنانية، فلا عودة إلى الوراء بقرار واضح من الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، وإذا كانت المثالثة بشكلها غير الدستوري قد مورست بشكل “الترويكا” ما بعد إتفاق الطائف وإبان عهد الوصاية، فإنها لن تستمر مع عهد العماد ميشال عون، إذ أن فصل السلطات وتحديدا ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هو في صلب عمل الرئيس عون في الحكم، وهذه المعضلة هي سبب رئيسي في أزمة تشكيل الحكومة. وما طرح العماد عون حول الميثاقية والحقوق المسلوبة للمسيحيين ستتناقض مع الحقوق المطلوبة والتي كانت مغيبة للشيعة، وما حققه السلاح من انتصارات لحزب الله لا بد من أن ينعكس على نفوذ وحق الفيتو في إدارة الحكم في حال تم رفض المثالثة.

من هنا يتأكد أن “حسابات الحقل ليست كحسابات البيدر” كما يقول المثل الشعبي، فتأييد العماد عون لرئاسة الجمهورية من قبل حزب الله كان في الأساس إنطلاقا من إدراكه المسبق أن ما من طرف سيقبل به، وبالتالي هذا الدعم الأولي كان يتيح لحزب الله ان يكون بعيد نسبيا عن الأزمة في إختيار رئيس للجمهورية، ولم يكن في الحسبان لدى حزب الله أن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع سيقبل بالعماد عون رئيسا للجمهورية ويليه بذلك رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.

hariri-aoun

لم يسقط الفرز الحاد ما بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار إلا أمام التجاذب المذهبي، فبعد التحالف الثابت والمتماسك ما بين القوتين المسيحيتين الرئيسيتين، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، لم يعد هنالك من 8 و14 آذار، وعاد الصراع والتجاذب ما بين تهميش هذه الطائفة أو تحصين موقع تلك الطائفة، وبدل الخوض في عملية بناء الدولة بكامل أجهزتها الإدارية والرقابية والأمنية، يدور النقاش والسجال حول تأمين دور وحقوق هذه الطائفة أو تلك.

كيف يمكن للمواطن اللبناني أن يشعر أنه ينتمي إلى وطن وليس إلى طائفة او مذهب؟ وكيف يمكن بناء إدارة دولة إذا كان معيار كل إدارة هو الجهة المذهبية لمسؤول كل إدارة؟ ومن الطبيعي ان ينتفي منطق الكفاءة في إختيار الموظفين، لأن المعيار المعتمد هو الإنتماء المذهبي.

البلاد في ازمة حقيقية، هي ازمة نظام بإمتياز، هل المطلوب وضع نظام رئاسي فدرالي للطوائف، وتقاسم هذا البلد الصغير مناطقيا وفق المذاهب، أم المطلوب الخروج من هذه الذهنية العفنة والإنطلاق نحو بناء دولة عصرية يتساوى فيه المواطنون وفق كفاءاتهم وليس وفق دياناتهم؟

فأتركوا الدين لله وليكن الوطن للجميع.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار

ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟